يَخْرُصُونَ أي يكذبون في ذلك، ثم أخبر تعالى أنه الذي جعل لعباده الليل ليسكنوا فيه أي يستريحون فيه من تعبهم وكلالهم وحركاتهم، والنهار مبصرا مضيئا لمعاشهم وسعيهم وأسفارهم ومصالحهم، فمن كان كذلك كيف يشرك به؟
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أي لدلالات على وحدانيته لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ أي يسمعون سماع تدبر واتعاظ لهذه الحجج والأدلة فيعتبرون بها، ويستدلون على عظمة خالقها ومقدرها ومسيرها،
ثم عرض الله نموذجا على أقوالهم الفاسدة قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ أي تقدس عن ذلك؛ هو الغني عن كل ما سواه، وكل شئ إليه فقير، والولد مظهر من مظاهر الافتقار والحاجة، فإنما يطلب الولد من يحتاج إليه لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ فكيف يكون له ولد مما خلق وكل شئ مملوك له عبد له! إِنْ أي ما عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ أي حجة بِهذا الذي تقولون. أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ أي ليس عندكم دليل على ما تقولونه من الكذب والبهتان، فكيف تتقولون على الله بلا علم، وهو إنكار ووعيد أكيد، وتهديد شديد وتوبيخ لهم.
ثم أوعد الله هؤلاء المفترين عليه، الناسبين له ما يليق به. قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ بنسبة الولد له وغير ذلك.
لا يُفْلِحُونَ أي لا يسعدون،
ثم بين وجه عدم فلاحهم مَتاعٌ فِي الدُّنْيا أي لهم متاع قليل في الدنيا يتمتعون به طول حياتهم. ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ بالموت ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ أي المؤلم الموجع بِما كانُوا يَكْفُرُونَ أي بسبب كفرهم وافترائهم وكذبهم على الله، فيما ادعوه من الإفك والزور. وبهذا انتهى المقطع بعد أن قرر الله فيه كذب الذين يحرمون- بدون علم- ويعتقدون عقيدة الشرك، وينسبون إليه ولدا. وبين الحق في صفاته ووحدانيته، وذكر برحمته بأوليائه، وذلك كله بأبلغ درجات الوعظ، فكان ذلك نموذجا على كيفية كون هذا القرآن موعظة وشفاء وهدى ورحمة.
وهكذا بين الله عزّ وجل في هذا المقطع خصائص القرآن، ثم بين ما يترتب على كون القرآن له هذه الخصائص، وهو الاهتداء به في أمر التحليل والتحريم، وفي أمر التصورات والمواقف، وفي أمر العقائد اعتقادا وشعورا. وقبل أن ننتقل إلى المقطع الثاني فلننقل فوائد لها علاقة بهذا المقطع.