بالمعاهدين على التفصيل الذي ذكرناه، وأما الأذان فعام لجميع الناس، من عاهد، ومن لم يعاهد، ومن نكث من المعاهدين، ومن لم ينكث فَإِنْ تُبْتُمْ أيها المشركون مما أنتم فيه من الكفر وعمله فَهُوَ أي التوبة خَيْرٌ لَكُمْ أي من الإصرار على الكفر في الدنيا وفي الآخرة وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ أي عن التوبة أي: إن أعرضتم عنها بأن ثبتم على الشرك والإعراض عن الإسلام فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ أي غير سابقين الله، ولا فائتين أخذه وعقابه وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ جزاء على كفرهم
إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً أي ثم لم ينكثوا، ولم ينقصوكم من شروط العهد بمعنى: أنهم وفوا بالعهد ولم ينقضوه وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً أي ولم يعاونوا عليكم عدوا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ أي فأدوه إليهم تاما كاملا إِلى مُدَّتِهِمْ أي إلى تمام مدتهم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ الذين يفون بعهودهم، هذه الآية استثناء من الأمر بالسيح أربعة أشهر.
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ هل المراد بالأشهر الحرم هنا الأشهر الحرم بالمعنى المشهور أي شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، أو المراد بها هنا الأشهر الأربعة التي أعطيها المشركون كمهلة؟ قولان. والذي رجحه ابن كثير أن المراد بها أشهر التسيير الأربعة التي أمهلوا فيها فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ممن لا عهد محددا بينكم وبينهم حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ أي في حل أو في حرم وَخُذُوهُمْ أي وأسروهم وَاحْصُرُوهُمْ أي واسجنوهم وقيدوهم وامنعوهم من التصرف في البلاد وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ أي كل ممر ومجتاز ترصدونهم به فَإِنْ تابُوا أي عن الشرك وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ اللتان هما علامتا الإسلام فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ أي فأطلقوا عنهم قيد الأسر والحصر، أو فكفوا عنهم ولا تتعرضوا لهم إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ غفور يستر ما حدث قبل الإسلام من كفر وغدر، رحيم برفع القتل بعد الإسلام، ومجئ ذكر اسم الله الرحيم في هذا المقام إشعار بأن الله ذا الرحمة هو الذي يأمر بمعاملة المشركين هذه المعاملة، فإياكم أن تظنوا أن الرحمة تتنافى مع هذه الأحكام
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ أي وإن جاءك أحد من المشركين بعد الأشهر الأربعة، ولا عهد بينك وبينه، واستأمنك ليسمع ما تدعو إليه من التوحيد والقرآن، فأمنه حتى يسمع كلام الله ويتدبره ويطلع على حقيقة الأمر ثُمَّ أَبْلِغْهُ أي بعد ذلك مَأْمَنَهُ أي داره التي يأمن فيها إن لم يسلم، ثم قاتله إن شئت، وفيه دليل على أن المستأمن لا يؤذى، وليس له الإقامة في دارنا، ويمكن من العود ذلِكَ أي الأمر بالإجارة