قلنا إن محور سورة عبس هما الآيتان السادسة والسابعة من سورة البقرة، أي قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ، والدليل على ذلك أن السورة تبدأ بعتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أقبل على إنسان من النوع الذي لا ينفع معه الإنذار، وعبس في وجه إنسان يستأهل الإنذار وختمت السورة بقوله تعالى:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ* تَرْهَقُها قَتَرَةٌ* أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ وما بين ذلك كلام له صلة في موضوع الإنذار، وموقف الكافرين منه من ذلك قوله تعالى:
كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ومن ذلك قوله تعالى: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ومن ذلك قوله تعالى: فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ.
ويلاحظ أن هناك تشابها بين سورة النازعات وسورة عبس، ففي أواخر سورة النازعات يرد قوله تعالى: فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى وفي أواخر سورة عبس يرد قوله تعالى: فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ ... ، وفي سورة النازعات يرد قوله تعالى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً ... وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها* أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وفي سورة عبس يرد قوله تعالى: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ ...
وفي سورة النازعات يرد قوله تعالى: هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى* وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى ... وفي سورة عبس يرد قوله تعالى: وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى* وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى. إنك لتجد التشابه في الجرس بين السورتين.
وسورة النازعات تنتهي بقوله تعالى: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها ... وفي بداية سورة عبس عتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يعرض عمن يخشى وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى * وَهُوَ يَخْشى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى فسورة عبس تبدأ بعتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ يعرض عمن يخشى، ويقبل على من لا يخشى، فالصلة واضحة بين نهاية سورة النازعات وبداية سورة عبس.