للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكمله نصوص كثيرة: إن هناك حسنات وهناك سيئات، ولقد أعطى الشارع للسيئات أحجاما، كما أعطى للحسنات أحجاما، فالشرك أكبر من الربا، والربا أكبر من الزنى، والتوحيد أعظم من الصلاة، والجهاد أفضل من مجاورة المسجد الحرام وهكذا.

وكثيرا ما يحدث عند بعض المسلمين أن يعطوا لقضية حجما هو أكبر من حجمها، أو هو أصغر من حجمها، وكثيرا ما يفضلون المفضول على الفاضل، وكثيرا ما يعطلون فرائض لصالح نوافل وكثيرا ما يتمسكون بالأقل ويفرطون من أجله في الأكبر، وكثيرا ما يكون استنكارهم لما هو أكبر جرما عند الله، أقل من استنكارهم لما هو أخف جرما، وهذا موضوع يمتحن فيه فقه العالم، ولكن ما أندر الفقيه كل الفقه في عصرنا.

[ولننتقل الآن إلى التفسير الحرفي للمقطع الثاني]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ أي أحبابا ونصراء ومطاعين إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ أي إن آثروه واختاروه وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ يتول الكافرين منكم فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ لأنفسهم وللمؤمنين ولدين الله وشريعته. وما أكثر هؤلاء في عصرنا، وما أكثر ما غاب معنى الولاء عن أذهان المسلمين علماء وعامة حتى عم الضلال بسبب هذا النوع من الظلم

قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ أي أقاربكم وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها أي اكتسبتموها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها بفوات وقت بيعها، أو لمقاطعة الكافرين لكم إن لم تتولوهم وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أي تحبونها لطيبها وحسنها أي: إن كانت هذه الأشياء كلها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ وكل من مسلمي عصرنا يدعي أن الله ورسوله أحب إليه من هذه الأشياء كلها، ولكن من من مسلمي عصرنا يستطيع أن يدعي- ولو دعوى- أن الجهاد في سبيل الله أحب إليه من هذه الأشياء كلها. ألا ما أكثر استحقاقنا للعذاب، وقد تهددنا الله به إن لم نكن كذلك فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ أي فانتظروا ماذا يحل عليكم من عقابه ونكاله وعذاب عاجل أو عقاب آجل، وقد عوقبنا فهل من توبة وجهاد؟ نرجو لمسلمي عصرنا أن يفيئوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ دلت الآية على أن من لم يكن الله ورسوله أحب إليه مما ذكر، ومن لم يكن الجهاد أحب إليه مما ذكر فهو فاسق، ولا يستحق الهداية، ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال النسفي: والآية تنعى على الناس ما هم عليه من رخاوة عقد الدين، واضطراب حبل اليقين، إذ لا تجد عند أورع الناس

<<  <  ج: ص:  >  >>