للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التركة في هذه الحالة، لكانت في حالة وجود الزوج تأخذ ضعفي ما يأخذه الأب، فينقلب الحكم إلى أن يكون للأنثى مثل حظ الذكرين، وهذا يناقض البداءة، ثم ذكرت الآية حالة ثالثة للأبوين، وهي اجتماعهما مع الإخوة.

فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ. أي: إن كان للميت اثنان من الإخوة والأخوات فصاعدا سواء كانوا من أب أو كانوا من أم، أو كانوا لأب وأم، فإنهم يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، دون أن يأخذوا هم شيئا، ويأخذ الأب في هذه الحال الباقي. أما الأخ الواحد فإنه لا يحجبها عن الثلث، وكان أهل العلم يرون أن حكمة حجب الأم إلى السدس في حالة وجود الإخوة فيزاد في حصته وينقص من حصتها لأن مئونة الأب أكثر بوجود الإخوة. مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ. أي: قسمة الأنصباء التي تقدمت إنما تكون من بعد وصية أو دين. وأجمع العلماء من السلف والخلف على أن الدين مقدم على الوصية، والحكمة في تقديمها في التلاوة أن إخراجها مما يشق على الورثة، وأن أداءها مظنة التفريط، بخلاف الدين، فقدمت على الدين ليسارعوا إلى إخراجها معه.

آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً. أي: فرض الله الفرائض على ما هو عنده لحكمة، ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم أنفع لكم، فوضعتم أنتم الأموال على غير حكمة. والتفاوت بالسهام بتفاوت المنافع، وأنتم لا تدرون تفاوتها، فتولى الله ذلك فضلا منه، ولم يكلها إلى اجتهادكم لعجزكم عن معرفة المقادير. فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ. أي: هذا الذي ذكرناه من تفصيل الميراث، وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض، فرض من الله حكم به وقضاه. وإنما ختمت الآية بهذا لكي لا يفهم فاهم من قوله تعالى: يُوصِيكُمُ أن الأمر وصية غير لازمة، بل هي فريضة لازمة.

ولنتذكر مرة أخرى الصلة بين هذه الآية وقوله تعالى في سورة البقرة كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ. ولنلاحظ كلمة فريضة هنا بعد قوله تعالى آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً علمه محيط، وحكمته بالغة. وقد قسم الفرائض على ما قسمها، وذلك من آثار علمه وحكمته، فما أجهل من رفض، وما أحمق من عاند، وما أكثر المرتدين في عصرنا جهلا وجاهلية.

وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ. أي: زوجاتكم إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ ابن أو بنت فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ منكم أو من غيركم فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ والدين مقدم على الوصية، وبعده

<<  <  ج: ص:  >  >>