ومجاهدة الأعداء، وسائر الطاعات الشاقة، وهجر الشهوات، وبالفقر والقحط، وأنواع المصائب في الأنفس والأموال، ومصابرة الكفار على أذاهم وكيدهم.
والاستفهام في أول الآية للتوبيخ والإنكار، وهذا يفيد أنّ هذا الظن والحسبان في منتهى الخطأ. والمعنى الحرفي تقديره: أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا. قال ابن كثير:(ومعناه أنّ الله سبحانه وتعالى لا بدّ أن يبتلي عباده المؤمنين، بحسب ما عندهم من الإيمان، كما جاء في الحديث الصحيح «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء»)،
وَلَقَدْ فَتَنَّا أي اختبرنا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي بأنواع الفتن.
فمنهم من يوضع المنشار على رأسه فيفرق فرقتين، ما يصرفه ذلك عن دينه، ومنهم من يمشّط بأمشاط الحديد، ما يصرفه ذلك عن دينه فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ بالامتحان الَّذِينَ صَدَقُوا في دعوى الإيمان وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ في هذه الدعوى. قال النسفي:
(ومعنى علمه تعالى وهو عالم بذلك فيما لم يزل أن يعلمه موجودا عند وجوده، كما علمه قبل وجوده أنّه يوجد) والمعنى: وليتميّز الصادق منهم من الكاذب. وقال ابن كثير:(والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما لم يكن لو كان كيف يكون، وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة ... يقول ابن عباس وغيره في مثل قوله إِلَّا لِنَعْلَمَ:* إلا لنرى وذلك لأن الرؤية إنما تتعلق بالموجود، والعلم أعم من الرؤية، فإنه يتعلق بالمعدوم والموجود).
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أي الشرك والمعاصي أَنْ يَسْبِقُونا أي أن يفوتونا يعني: إن الجزاء يلحقهم لا محالة ساءَ ما يَحْكُمُونَ أي ساء الحكم حكمهم، وورود كلمة أَمْ التي تفيد الإضراب في الآية يفيد أن هذا الحسبان أبطل من الحسبان الأول، لأن صاحب الحسبان الأول يقدّر أنّه لا يمتحن لإيمانه، وهذا يظنّ أنه لا يجازى بمساويه، فالأول بالمؤمنين، والثاني في الكافرين. قال ابن كثير في الآية:(أي لا يحسبن الذين لم يدخلوا في الإيمان أنهم يتخلصون من هذه الفتنة والامتحان فإن من ورائهم من العقوبة والنكال ما هو أغلظ من هذا وأطمّ).
وقال الألوسي: (وظاهر الآثار يدل على أن هذه الآية نزلت في شأن الكفرة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: يريد سبحانه بالذين يعملون السيئات الوليد بن المغيرة، وأبا جهل، والأسود، والعاصي بن هشام، وشيبة، وعتبة، والوليد بن عتبة، وعقبة