[وبعد هذه الجولة عن المعاني العامة والكلية في سورة الفاتحة نقول مختصرين]
اشتملت هذه السورة الكريمة وهي سبع آيات على حمد الله تعالى وتمجيده والثناء عليه بذكر أسمائه الحسنى المستلزمة لصفاته العليا، وعلى ذكر المعاد وهو يوم الدين، وعلى إرشاد عبيده إلى سؤاله والتضرع إليه والتبري من حولهم وقوتهم، وإلى إخلاص العبادة له وتوحيده بالألوهية وتنزيهه من أن يكون له شريك أو نظير أو مماثل، وإلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم، وهو الدين القويم، وتثبيتهم عليه حتى يفضي بهم ذلك إلى جواز الصراط المفضي بهم يوم القيامة إلى جنات النعيم في جوار النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين كانوا محل القدوة، فاشتملت السورة على الترغيب في الأعمال الصالحة ليكون الإنسان مع أهلها يوم القيامة، والتحذير من مسالك الباطل لئلا يحشر الإنسان مع سالكيها يوم القيامة.
[٥ - المعنى الحرفي]
بِسْمِ اللَّهِ تعلقت الباء بمحذوف تقديره: أقرأ أو أتلو لأن الذي يلي التسمية مقروء «وكذلك يضمر كل فاعل ما يجعل التسمية مبدءا له» وإنما قدرنا الفعل متأخرا لأن ذلك أقوى لدلالته على الاختصاص والمعنى: متبركا باسم الله أقرأ ففيه تعليم الله عباده كيف يتبركون باسمه وكيف يعظمونه و (الله) هو الإله ولكن كلمة الإله تطلق على كل معبود بحق أو بباطل ثم غلب على المعبود بحق، وأما اسم (الله) فمختص بالمعبود الحق لم يطلق على غيره وهو اسم غير صفة لأنك تصفه ولا تصف به فصفاته تعالى لا بد لها من موصوف تجري عليه وهو اسم الله جل جلاله.
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ صفتان واسمان يعبران عن رحمة الله تعالى التي مظهرها إنعامه على عباده فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ (سورة الروم) وفي الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، ولذلك لا يسمى ولا يوصف بالرحمن غير الله ويسمى ويوصف بالرحيم غيره، ومن ثم ذهب بعضهم إلى أن الرحمة في اسم الرحمن تشمل الكافر والمؤمن، والرحمة في اسم الرحيم تخص المؤمنين
الْحَمْدُ لِلَّهِ الحمد هو الوصف بالجميل على جهة التفضيل وهو أحد شعب الشكر لأن الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح وإنما يكون باللسان الحمد ونقيض الحمد الذم ونقيض الشكر الكفران، وإنما يستحق الحمد إما بكمال الذات والصفات والأفعال أو بكثرة الإنعام، والله عزّ وجل لا أكمل من ذاته وصفاته وأسمائه، ولا إنعام إلا منه مباشرة أو بالواسطة فله في الحقيقة الحمد كله.