للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ أي آلهة يعني مثل من أشرك بالله الأوثان في الضعف وسوء الاختيار كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً أي كمثل العنكبوت فيما تتّخذه لنفسها من بيت، فإنّ ذلك بيت لا يدفع عنها الحرّ والبرد، ولا يقي ما تقي البيوت، فكذلك الأوثان لا تنفعهم في الدنيا والآخرة وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ فلا بيت أوهن من بيتها لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أنّ هذا مثلهم، وأنّ أمر دينهم بالغ هذه الغاية من الوهن. وقيل مثل المشرك الذي يعبد الوثن بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله مثل عنكبوت تتخذ بيتا، بالإضافة إلى رجل يبني بيتا بآجرّ وجص، أو ينحته من صخر، وكما أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتا بيتا بيت العنكبوت. كذلك أضعف الأديان إذا استقريتها دينا دينا عبادة غير الله.

إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ أي الذي يعبدونه مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ أي الغالب الذي لا شريك له الْحَكِيمُ في ترك المعاجلة بالعقوبة، وفيه تجهيل لهم حيث عبدوا جمادا لا علم له، ولا قدرة، وتركوا عبادة القادر القاهر على كل شيء، الحكيم الذي يفعل بحكمة وتدبير. قال ابن كثير في الآيتين: (هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله، يرجون نصرهم، ورزقهم، ويتمسّكون بهم في الشدائد، فهم في ذلك كبيت العنكبوت في ضعفه ووهنه، فليس في أيدي هؤلاء من آلهتهم إلا كمن يتمسك ببيت العنكبوت، فإنه لا يجدي عنه شيئا. فلو علموا هذا الحال لما اتخذوا من دون الله أولياء، وهذا بخلاف المؤمن المسلم قلبه لله وهو مع ذلك يحسن العمل في اتباع الشرع، فإنه متمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها لقوتها وثباتها.

وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ نبيّنها للناس وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ أي يفهمها ويتدبّرها إلا الراسخون في العلم المتضلّعون منه، قال النسفي في قوله تعالى وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ: (به وبأسمائه وصفاته، أي لا يعقل صحتها وحسنها، ولا يفهم فائدتها إلا هم؛ لأن الأمثال والتشبيهات إنما هي الطرق إلى المعاني المستورة، حتى تبرزها وتصورها للأفهام كما صور هذا التشبيه الفرق بين حال المشرك وحال الموحد، وعن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه تلا هذه الآية فقال: «العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه» ودلت الآية على فضل العلم على العقل)،

خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ أي محقا، يعني لم يخلقهما باطلا بل لحكمة. يعني لا على وجه العبث واللعب إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ أي لدلالة واضحة على أنه تعالى المتفرد بالخلق والتدبير والإلهية، وخصّ المؤمنين بالذّكر لانتفاعهم وحدهم بالآيات.

<<  <  ج: ص:  >  >>