(أخرج ابن الضريس. وابن مردويه. والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أنزلت سورة لقمان بمكة، ولا استثناء في هذه الرواية.
وفي رواية النحاس في تاريخه عن استثناء ثلاث آيات منها وهي وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ إلى تمام الثلاث فإنها نزلت بالمدينة، وذلك أنه صلّى الله تعالى عليه وسلم لما هاجر قال له أحبار اليهود: بلغنا أنك تقول: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا أعنيتنا أم قومك؟ قال:«كلّا عنيت» فقالوا: إنك تعلم أننا أوتينا التوراة، وفيها بيان كل شئ فقال عليه الصلاة والسلام:«ذلك في علم الله تعالى قليل» فأنزل الآيات.
ونقل الداني عن عطاء، وأبو حيان عن قتادة أنهما قالا: هي مكية إلا آيتين هما وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ إلى آخر الآيتين، وقيل: هي مكية إلا آية وهي قوله تعالى: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ فإن إيجابهما بالمدينة، وأنت تعلم أن الصلاة فرضت بمكة ليلة الإسراء، كما في صحيح البخاري وغيره، فما ذكر من أن إيجابهما بالمدينة غير مسلّم، ولو سلم فيكفي كونهم مأمورين بها بمكة ولو ندبا، فلا يتم التقريب فيها، نعم المشهور أن الزكاة إيجابها بالمدينة، فلعل ذلك القائل أراد أن إيجابهما معا تحقق بالمدينة، لا أن إيجاب كل منهما تحقق فيها، ولا يضر في ذلك أن إيجاب الصلاة كان بمكة، وقيل: إن الزكاة إيجابها كان بمكة كالصلاة، وتقدير الأنصباء هو الذي كان بالمدينة؛ وعليه فلا تقريب فيهما.
وآيها ثلاث وثلاثون في المكي والمدني، وأربع وثلاثون في عدد الباقين.
وسبب نزولها على ما في البحر: أن قريشا سألت عن قصة لقمان مع ابنه، وعن بر والديه فنزلت. ووجه مناسبتها لما قبلها على ما فيه أيضا أنه قال تعالى فيما قبل: وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ (الروم: ٥٨) وأشار إلى ذلك في مفتتح هذه السورة، وأنه كان في آخر ما قبلها وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ (الروم: ٥٨) وفيها وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً وقال الجلال السيوطي: ظهر لي في اتصالها بما قبلها مع المؤاخاة في الافتتاح ب (الم) أن قوله تعالى: هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ متعلق بقوله تعالى فيما قبل: وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ