للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلك الساعة لا يدعون صنما ولا وثنا ولا نبيا ولا رسولا ولا وليا ولا بشرا، بل يفردون الله بالدعاء والابتهال، قائلين لله: لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ الأهوال أو هذه الريح أو هذه الحال لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ لنعمتك مؤمنين بك متمسكين بطاعتك لا نشرك بك أحدا، مفردين لك العبادة هناك كما أفردناك بالدعاء هاهنا

فَلَمَّا أَنْجاهُمْ أي من تلك الشدة إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ أي يفسدون فيها بِغَيْرِ الْحَقِّ أي باطلا أي مبطلين. كأن لم يكن من ذلك شئ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ أي الظلم عَلى أَنْفُسِكُمْ أي إنما يذوق وبال هذا البغي أنتم أنفسكم ولا تضرون به أحدا غيركم مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا تمتعون فيها قليلا، أي إنما لكم متاع في الحياة الدنيا الدنيئة الحقيرة ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ أي مصيركم ومآلكم بعد الموت فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي فنخبركم بجميع أعمالكم، ونجازيكم بها، ونوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن الا نفسه. ذكر الله في هذه الآية طبيعة الإنسان في ضراعته إلى الله في الضراء، وإعراضه في السراء، بل محاربته لله في السراء، ثم زهد تعالى بمتاع الدنيا، وحذر من الآخرة،

ثم يأتي الآن مثل للحياة وزهرتها وزينتها، وسرعة انقضائها وزوالها إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ أي من السحاب فَاخْتَلَطَ بِهِ أي بالماء نَباتُ الْأَرْضِ أي فاشتبك بسببه حتى خالط بعضه بعضا مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ من زروع وثمار على اختلاف أنواعها وأصنافها وَالْأَنْعامُ أي ومما تأكل الأنعام من عشب وغير ذلك حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها أي بهجتها وزينتها بالنبات واختلاف ألوانه وَازَّيَّنَتْ أي وحسنت بما خرج في رباها من زهور نضرة مختلفة الأشكال والألوان، جعلت الأرض وهي آخذة زخرفها كالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة من كل لون فاكتستها وتزينت بألوان الزينات وَظَنَّ أَهْلُها أي أهل الأرض أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أي متمكنون من منفعتها محصلون لثمرتها، رافعون لغلتها. فبينما هم كذلك إذ جاءتها صاعقة أو ريح شديدة باردة فأيبست أوراقها واتلفت ثمارها، قال تعالى أَتاها أَمْرُنا أي عذابنا وهو هنا ضرب زرعها ببعض العاهات بعد أمنهم واستيقانهم أنه قد سلم لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً أي فجعلنا زرعها شبيها بما يحصد من الزرع في قصه واستئصاله. أي جعلنا زرعها يابسا بعد الخضرة والنضارة كالمحصود بالمناجل كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ أي كأنها ما كانت حينا قبل ذلك، أو كأن لم يغن زرعها أي لم يلبث بالأمس، وذكر الأمس هنا مثل على الوقت القريب كأنه قيل: كأن لم تغن آنفا

<<  <  ج: ص:  >  >>