أخرجاه في الصحيحين. يروى كثيرا وكبيرا وكلاهما بمعنى صحيح، واستحب بعضهم أن يجمع الداعي بين اللفظين في دعائه، وفي ذلك نظر، بل الأولى أن يقول هذا تارة، وهذا تارة، كما أن القارئ مخيّر بين القراءتين أيتهما قرأ حسن وليس له الجمع بينهما والله أعلم. وروى أبو القاسم الطبراني عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه في تسمية من شهد مع عليّ رضي الله عنه: الحجاج بن عمرو بن غزية وهو الذي كان يقول عند اللقاء: يا معشر الأنصار أتريدون أن تقولوا لربنا إذا لقيناه رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا* رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً).
أقول: دلّ قول ابن كثير على أنه ليس للقارئ أن يخلط بين قراءتين بآن واحد لأن الرسول صلّى الله عليه وسلم كان يقرئ كل قراءة على حدة.
٣ - [كيفية التعامل مع المنافقين بمناسبة قوله تعالى لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ .. ]
أعطانا قوله تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا* مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا* سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا أعطتنا هذه الآيات مدى واسعا في موضوع تعزير هذه الأنواع من الناس، ومن ثمّ فإننا نحب أن نسجّل الملاحظات التالية:
أ- إن الرسول صلّى الله عليه وسلم لم يلجأ إلى قتل المنافقين مع استحقاقهم ذلك، حتى لا يقال إن محمدا يقتل أصحابه.
ب- إن الرسول صلّى الله عليه وسلم بسياسته للمنافقين، وبحسن معاملته لهم، وتوجيهه، استطاع أن ينقذ الكثيرين منهم من النفاق، ويكفى أن نعرف أنه يوم أحد انفصل عن الجيش الإسلامي مع رأس النفاق عبد الله بن أبي أكثر من ثلاثمائة، بينما أخبرنا حذيفة أن الذين كتب عليهم النفاق وليس لهم عنه منكص آحاد. وقد مرّ ذكر ذلك في سورة التوبة.
ج- من الملاحظتين السابقتين ندرك أن استعمال القتل في حق المنافقين، ومن عطف عليهم في الآيات، إنما هو حيث تكون ضرورة، ومن باب «آخر الدواء الكي» على أن هناك حالات يتهدّد فيها أمن الأمة الإسلامية، أو الدولة الإسلامية بالخطر، ففي مثل هذه الحالات يجب أن يكون الحزم هو المقدّم.