ولكن الشيطان يلقي في قلب كل فرد من أفراد الأمة إلقاءه، وفي هذا المقام فإن لله سنة هي: أن إلقاء الشيطان يؤثر في مرضى القلوب، وفي أصحاب القلوب القاسية، ولكن إلقاء الشيطان لا يترتب عليه شئ في صدور الذين أوتوا العلم، بل يتأكد عندهم بذلك أن وحي الله حق فيزدادون إيمانا وخشوعا تحقيقا لوعد الله عزّ وجل، أن يهدي أهل الإيمان. هذا الذي قررناه هنا هو فهمنا لموضوع إحكام الله آياته، ونسخ ما يلقي الشيطان في الآيات التي مرت معنا فالله عزّ وجل في محكم آياته وعد أن لا يجعل للشيطان على عباده المخلصين سلطانا، أما غيرهم فللشيطان عليهم سلطان، ومن ثم ينسخ إلقاء الشيطان في قلوب أوليائه، ويحكم آياته بذلك، أي يثبتها عملا بعد أن أثبتها في كتابه، ثم قرر أن أهل الكفر لا يزالون في شك من القرآن، فما علاقة هذه المعاني في السياق؟
إن هذه المعاني تبين للنذير سنة الله عزّ وجل في أمر الناس، لكي لا يفاجأ إذا تعثرت الأماني، أو تعذرت، ثم الصلة بين هذه المعاني ومحور السورة واضح، فإن الدعوة عامة، ولكن السائرين قليلون، والمستجيبين قليلون، والسير على طريق العبادة والتقوى يحول دونه قسوة القلب ومرضه، والظلم والكفر والجهل، ولنا عودة في الفوائد فلنمض في التفسير: بعد أن ذكر الله عزّ وجل في نهاية المجموعة السابقة ما سيحكم به لأهل الإيمان، وما سيحكم به على أهل الكفر، خص قوما بالذكر
لفضيلتهم، هم المهاجرون، وبذلك بدأت المجموعة الثالثة من هذا المقطع:
[تفسير المجموعة الثالثة من المقطع الثالث]
وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ابتغاء مرضاته وطلبا لما عنده فتركوا الأوطان والأهلين، والخلان، وفارقوا البلاد في الله ورسوله، ونصرة الإسلام ثُمَّ قُتِلُوا أي في الجهاد أَوْ ماتُوا أي حتف أنفهم من غير قتال على فرشهم، فقد حصلوا على الأجر الجزيل، ومن ثم قال لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً أي ليجرين عليهم من فضله ورزقه من الجنة ما تقر به أعينهم وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ قال النسفي: لأنه المخترع للخلق بلا مثال، المتكفل للرزق بلا ملال
لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا هو الجنة يَرْضَوْنَهُ لأن فيها ما تشتهي الأنفس، وتلذ الأعين وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ بأحوال من قضى نحبه مجاهدا، وآمال من مات وهو ينتظر أن يقتل في سبيل الله حَلِيمٌ أي يحلم ويصفح ويغفر لهم الذنوب ويكفرها عنهم، بهجرتهم إليه، وتوكلهم عليه، أو حليم بإمهال من قاتل أولياءه معاندا.