أقول: الذي ينشرح له الصدر أن وصف أم جميل بحمالة الحطب هو وصف ذم لها في الدنيا، وهل المراد به سيرها بالنميمة لإشعال الفتن، أو المراد بذلك حملها للحطب فعلا لتضعه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فحقرها الله عزّ وجل بذلك بأن شبهها بالحطابين والحطابات لتجزع من ذلك ويجزع بعلها. وهما في بيت العز والشرف، وفي منصب الثروة والجد، كلا المعنيين وارد. وأما قوله تعالى فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ فترجح أن المراد به الإشارة إلى نوع من أنواع عذابها في الآخرة، والمراد بالحبل من المسد حبل من حبال النار كما قال مجاهد وعروة: من مسد النار. وكما قال مجاهد: أي طوق من حديد. ألا ترى أن العرب يسمون البكرة مسدا؟ وكما قال سعيد بن المسيب: فأعقبها الله منها حبلا في جيدها من مسد النار، وكما قال عروة بن الزبير، المسد سلسلة ذرعها سبعون ذراعا، وكما قال الثوري: هو قلادة من نار طولها سبعون ذراعا. وبذلك تكون الآيتان قد حقّرتا زوجة أبي لهب غاية التحقير، إذ وصفتها في الدنيا بصفة تعتبرها هي غاية في الحقارة، ووصف حالها في الآخرة بصفة تفيد أقصى حالات الذلة. أن يكون كحبل الليف في عنقها تسحب منه، ولا يفهمن فاهم أن حمل الحطب للعمل مذموم في الآية، فالآية لا تتعرض لهذا الموضوع وإنما تحقر امرأة بما تعتبره هذه المرأة تحقيرا في مثل حالها. قال النسفي:(ونصب عاصم حَمَّالَةَ الْحَطَبِ على الشتم، وأنا أحب هذه القراءة وقد توسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميل من أحب شتم أم جميل) أقول: هذا ترجيح منه أن المراد بالآية تحقير أم جميل وأن من أحب هذا المعنى مأجور.
[كلمة في السياق]
١ - نزلت هذه السورة في أوائل الإسلام، ومن المعلوم أن كثيرين ممن حاربوا الدعوة الإسلامية. ابتداء دخلوا فيها بعد ذلك كعمر وأبي شعبان وخالد بن الوليد وغيرهم كثير. فإن تذكر السورة أن أبا لهب وزوجته سيدخلان النار فهذا إخبار بالغيب أنهما سيبعثان على كفرهما، وقد تحقق هذا، وفي ذلك وحده معجزة من