للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفوائد [حول آيات المقدمة والمقطع الأول]:

١ - [ثناء قرآني على اللغة العربية]

بدأت السورة بقوله تعالى: حم* وَالْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ فهل وصف الكتاب بالعربية تقرير لواقع؟ أو أنّ في ذلك معنى زائدا وهو وصفه بالفصاحة والبيان؟ وفي ذلك ثناء على اللغة العربية بأنها لغة الفصاحة والبيان. قال ابن كثير في معرض شرحه لكون الكتاب مبينا: لأنه نزل بلغة العرب التي هي أفصح اللغات للتخاطب بين الناس. وكلام ابن كثير هذا يشير إلى أن وصف القرآن بالعربية فيه معنى زائد على تقرير الواقع، وبالتالي فيه ثناء على هذه اللغة، ولا يدرك أحد ميزات هذه اللغة على بقية اللغات إلا بدراسة مستفيضة لفقهها وأسرارها مقارنة ببقية اللغات.

٢ - [إثبات علو شأن القرآن وحكم مس المحدث له]

عند قوله تعالى: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ قال النسفي:

وإن القرآن مثبت عند الله في اللوح المحفوظ، دليله قوله بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ وسمّي (أي: اللوح المحفوظ) أم الكتاب؛ لأنّه الأصل الذي أثبتت فيه الكتب، منه تنقل وتستنسخ .. (ووصف القرآن بالعلو) أي: في أعلى طبقات البلاغة .. وقال ابن كثير: وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله كما قال تبارك وتعالى:

إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ* لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ* تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ وقال تعالى: كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ* فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ* فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ* مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ* بِأَيْدِي سَفَرَةٍ* كِرامٍ بَرَرَةٍ ولهذا استنبط العلماء رضي الله عنهم من هاتين الآيتين أن المحدث لا يمس المصحف، كما ورد به الحديث- إن صح- لأن الملائكة يعظمون المصاحف المشتملة على القرآن في الملإ الأعلى، فأهل الأرض بذلك أولى وأحرى، لأنه تنزيل عليهم، وخطابه متوجه إليهم، فهم أحق أن يقابلوه بالإكرام والتعظيم، والانقياد له بالقبول والتسليم، لقوله تعالى: وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ.

٣ - [قصور المفسر لا يعني قصور القرآن نفسه]

قلنا في كتابنا (جند الله ثقافة وأخلاقا): إن كل مفسّر للقرآن قد فسّر القرآن بثقافة عصره؛ بل بثقافته من ثقافة عصره، وبقدر قصور هذه الثقافة يقع الخطأ في التفسير، والعلة في القصور البشري وليس في القرآن علة- حاشاه وهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- وكنموذج لما ذكرناه ننقل ما ذكره ابن كثير-

على جلالة قدره وثقوب بصره- عند قوله تعالى في هذه السورة: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>