بما لا يقبل جدلا: ظاهرة حدوث الكون، وظاهرة الإرادة فيه، وظاهرة الحكمة، وظاهرة الهداية، وظاهرة الإبداع، وظاهرة الاستجابة، وظاهرة العناية، وظاهرة الوحدة. وفي هذه الآية حديث عن مجموع هذه الظواهر تقريبا:
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ظاهرة الحدوث. وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ ظاهرة الإرادة والحكمة والهداية والعناية. وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ظاهرة الحياة والإبداع وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ظاهرة حكمة وعناية وهداية وإرادة لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يدرك هذه الآيات أصحاب العقول، أما الذين يعطلون قوانين العقل كبرا أو عنادا فهؤلاء لا يدركون هذه الآيات. ولعل كتابنا «الله جل جلاله» فيه تفصيل لهذه المعاني كلها فليراجع.
وفي كتابنا هذا ذكرنا: كيف أن التناسق في الكون والتكامل فيه يدلان على وحدة الخالق ووحدانيته. وقد جاءت هذه الآية هنا بعد قوله تعالى: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ .. إشارة إلى أن كل هذه الآيات دليل على الوحدة والوحدانية. ومجئ قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ ... بعد هذه الآية إشارة إلى أن هذه الآيات في هذا الكون والتي تدل على ظاهرة العناية تستدعي أن يحب الإنسان الله. فكيف ينحرف الإنسان؟.
روى ابن أبي حاتم عن عطاء قال: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ فقال كفار قريش بمكة: كيف يسع الناس إله واحد؟. فأنزل الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ .... وعن أبي الضحى قال: لما نزلت وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ... قال المشركون: إن كان هكذا فليأتنا بآية. فأنزل الله عزّ وجل: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... إلى قوله يَعْقِلُونَ.
[التفسير الحرفي]
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ تلك بما فيها من كواكب ومجرات وغير ذلك، وهذه الأرض بما فيها من جبال وبحار وقفار ووهاد وغير ذلك وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ