للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والانقطاع لعبادة الله، والاجتهاد فيها، فصار معنى الآية: اذكر اسم ربك، وانقطع إلى الله عزّ وجل انقطاعا، وهذا يفيد أن رجل الدعوة عليه أن يكرس ليله لقيام الليل، وأن يجتمع له في ليله ونهاره ذكر، وأن يكون له انقطاع إلى الله عزّ وجل، ويعطي لأمور الدنيا بالقدر الذي لا بد منه،

ثم قال تعالى معللا للأمر بالذكر والانقطاع إلى الله عزّ وجل: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا قال النسفي:

(أي: وليا وكفيلا بما وعدك من النصر، وإذا علمت أنه ملك المشرق والمغرب، وأن لا إله إلا هو فاتخذه كافيا لأمورك، وفائدة الفاء، أن لا تتلبث بعد أن عرفت في تفويض الأمور إلى الواحد القهار إذ لا عذر لك في الانتظار بعد الإقرار)، وقال ابن كثير: (أي: هو المالك المتصرف في المشارق والمغارب، الذي لا إله إلا هو، وكما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل، فاتخذه وكيلا). أقول: بعد الأمر بقيام الليل، والذكر والانقطاع إلى الله، ذكر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بربوبيته للمشرق والمغرب، وبوحدانيته ليبني على ذلك الأمر بالتوكل، فصار مجموع الأوامر في هذه الفقرة خمسة:

قيام الليل، وترتيل القرآن، والذكر، والانقطاع إلى الله عزّ وجل، والتوكل عليه.

[كلمة في السياق]

١ - قلنا إن محور السورة من سورة البقرة هو قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ والملاحظ أن المجموعة التي مرت معنا طالبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنواع من العبادة، وفي ذلك تحديد لسلوك الطريق إلى الله عزّ وجل، فمن ليس له قيام ليل، وترتيل قرآن، وذكر وانقطاع إلى الله عزّ وجل، وتوكل عليه، فإنه لا حظ له من السلوك الكامل إلى الله عزّ وجل، وإنما يتفاوت السالكون بقدر حظوظهم من هذه المعاني.

٢ - رأينا أن الأمر بقيام الليل كانت إحدى حكمه أن الله سينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم قولا ثقيلا، ورأينا في سورة الجن كيف تألب الجن والإنس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأينا أن سورة المزمل أنزلت بمناسبة التآمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم تأتي المجموعة الثانية في هذه الفقرة لتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر هؤلاء بعد أن وجهته إلى ما ينبغي فعله ليقوم بحمل عبء الدعوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>