للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ أي صفة النقص أي صفة السوء، وهي هنا الحاجة إلى الأولاد الذكور وكراهة الإناث ووأدهنّ خشية الإملاق وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى أي الكمال المطلق من كل وجه، ومن ذلك الغنى عن العالمين، والنزاهة عن صفات المخلوقين وَهُوَ الْعَزِيزُ أي الغالب في تنفيذ ما أراد الْحَكِيمُ في إمهال العباد

وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ أي بكفرهم ومعاصيهم ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ أي لأهلك جميع دواب الأرض تبعا لإهلاك بني آدم، ولكن الرب جل جلاله يحلم ويستر وينظر إلى أجل مسمى وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أي إلى وقت مسمى عنده تقتضيه الحكمة، أو إلى يوم القيامة، وإذن فهو لا يعاجلهم بالعقوبة إذ لو فعل ذلك بهم لما أبقى أحدا، دلّت الآية على أن المستكبرين يستحقون العقوبة بسبب ظلمهم، لولا أن حكمة الله اقتضت الإنظار فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ فهو آت مهما أنظروا، فكل آت قريب

وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ يكرهون البنات ويجعلونها لله، ويكرهون أن يكون لأحدهم شريك في ماله ويجعلون لله شريكا في ملكه، ويكرهون أن يستخف أحد برسلهم وهم يستخفون برسل الله ويستهزءون بهم ويكرهون أراذل المال ويجعلونها له، ويجعلون لأصنامهم أكرمها، فقد أقاموا الله بالمقام الأدنى من أنفسهم وأصنامهم وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أي ويقولون الكذب مع ذلك وهو أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى أي عند الله، وإن كان ثمّ معاد ففيه أيضا لهم الحسنى وهي الجنة، إن كان البعث حقا، فهم يفعلون ما يفعلون، ويظلمون ما يظلمون، ويسبّون الله ما يسبّون، وينسبون لله جل شأنه من الصفات الدنيا ما ينسبون، ومع ذلك يعتبرون أن لهم مقاما عنده يؤهلهم لخيري الدنيا والآخرة لا جَرَمَ أي حقا، أَنَّ لَهُمُ النَّارَ فهي التي يستحقونها وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ أي مقدّمون عنده، ولكن إلى النار معجّلون إليها، ثم ختم الله هذه المجموعة، وهذا المقطع كله بآيتين:

تَاللَّهِ يقسم بذاته الكريمة لَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ أي أرسلنا رسلا إلى من تقدمك من الأمم فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ من الكفر والتكذيب والاستهزاء وأمثال ما مر معك، فلا تتعجب من تزيين أعمال هؤلاء لهؤلاء على سوئها فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ أي فالشيطان قرين الكافرين في الدنيا، المتولي لإضلالهم بالغرور وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في القيامة، دلت الآية على أن مواقف المستكبرين التي مرّت معنا كلها من تزيين الشيطان واتباع خطواته، ثم قال الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم

وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ أي القرآن إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ أي للناس

<<  <  ج: ص:  >  >>