وَاذْكُرْ يا محمد فِي الْكِتابِ أي في القرآن إِبْراهِيمَ أي قصته مع أبيه إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا أي كان مصدقا لجميع الأنبياء وكتبهم، وكان نبيا في نفسه
إِذْ قالَ لِأَبِيهِ أي أنه عند ما قال لأبيه ما سيقصه الله علينا، كان جامعا لخصائص الصدّيقين والأنبياء حين خاطب أباه بتلك المخاطبات. والمراد بقول الله تعالى لرسوله:(وَاذْكُرْ) هو أن يتلو الرسول صلّى الله عليه وسلّم ذلك على الناس، ويبلغه إياهم، وإلا فالله عزّ وجل هو ذاكره ومورده في تنزيله، والحكمة في إيراد قصة إبراهيم في هذا المقام واضحة. فإبراهيم جد عيسى الأعلى وجد العرب. وهو الذي تعترف بنبوته ورسالته أكثر الأمم، فإذا خاطب أباه هذه المخاطبات، وجعلها الله له أعلى المقامات، فذلك دليل على أن الدعوة إلى ربوبية الله وعبودية الإنسان هي سنة كل رسول لله دعوة وتحققا، فكيف يدعو الرسل جميعا إلى هذا، ويستقيم في عقل الإنسان أن يكون عيسى مع الله ربا، أو تكون الأصنام مع الله شركاء؟ وهذه مخاطبات إبراهيم يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً أي لم تعبد أصمّ أعمى، وهو في الوقت نفسه لا ينفعك ولا يدفع عنك ضررا، إنك تضع العبادة في غير محلها
يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ أي من الوحي ومعرفة الله ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ أي أرشدك صِراطاً سَوِيًّا أي طريقا مستقيما موصلا إلى نيل المطلوب، والنجاة من المرهوب، وإن كنت من صلبك، وتراني أصغر منك لأني ولدك. فإني قد اطلعت من العلم من الله على ما لم تعلمه أنت ولا اطلعت عليه ولا جاءك
يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ أي لا تطعه فتعبد غير الله؛ فإنه هو الداعي إلى ذلك والراضي به إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا أي عاصيا مخالفا مستكبرا عن طاعة ربه لذلك طرده