شئ طاعته، فكيف يتقى غيره! ومن ثم قال: أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ أي تخافون وتحذرون، وتحاولون وقاية أنفسكم منه،
ثم أخبر تعالى أن ما بالعباد من رزق ونعمة ونصر فمن فضله عليهم، وإحسانه لهم قال: وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ أي وأيّ شئ اتصل بكم من نعمة: عافية، وغنى، وخصب، فهو من الله فكيف تشركون معه غيره! ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ من مرض وفقر، وجدب، وخذلان، ومصائب وخوف، وغير ذلك فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ أي ترفعون أصواتكم إليه بالدعاء والاستغاثة، أي فما تتضرّعون إلا إليه؛ لعلمكم الفطري أنه لا يقدر على إزالته إلا هو، فإنكم عند الضرورات تلجئون إليه وتسألونه، وتلحون في الرغبة إليه مستغيثين به
ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ يوحّدون في الشدائد، ويشركون في الرخاء، أقام الحجة على التوحيد أولا بالوحي، ثم بخضوع كل شئ له إذ ما من شئ يشذ عن النظام الذي خلقه، ثم بكون النعم كلها منه، فهو الذي أوجدها وسخرها وأنعم بها، ثم بالالتجاء إليه وحده عند الشدة لما ركبت عليه الفطرة البشرية، وهكذا ردّت هذه المجموعة الشرك.
وعرّفت التوحيد، ثم ختمت بقوله تعالى لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ كأن هذا جواب سؤال هو: ما غرض هؤلاء من الشرك؟
الجواب: هو كفران النعمة التي آتاهم الله إياها، فهم يشركون لمجرد الكفران، تذكر أوائل السورة خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وبعد أن بين الله غرضهم الخبيث المريض من الشرك أوعدهم فقال: فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أي اعملوا ما شئتم، وتمتعوا بما أنتم فيه قليلا، فسوف تعلمون عاقبة ذلك، بعد أن أقام عليهم الحجّة، وبيّن سبب شركهم الذي لا يقبله عقل سليم، هدّدهم هذا التهديد الشديد فمن لم تؤثّر فيه الحجة فلعل الوعيد يفيده.
قال صاحب الظلال: (هذا النموذج الذي يرسمه التعبير هنا: ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ، ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ. .. نموذج متكرر في البشرية. ففي الضيق تتوجه القلوب إلى الله، لأنها تشعر بالفطرة ألّا عاصم لها سواه. وفي الفرج تتلهى بالنعمة والمتاع، فتضعف صلتها بالله، وتزيغ عنه ألوانا من الزيغ تبدو في الشرك به وتبدو كذلك في صور شتى من تأليه قيم وأوضاع ولو لم تدع باسم الإله.