لقد اتضح لنا من سورة المائدة ما به يستحق ناس هداية الله بهذا القرآن، وما به يستحق ناس إضلال الله لهم بهذا القرآن يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً.
فمن تتبع ما ورد في سورة المائدة، عرف طريق الهداية، وعرف طريق الضلال، وعرف الكثير من تفصيلات الفسوق وضده، ومن تفصيلات قطع ما أمر الله به أن يوصل وضده، ومن تفصيلات الإفساد في الأرض وضده، وكل ذلك ضمن سياق السورة الخاص، بما يرتبط به القرآن بعضه ببعض، بأكثر من رابطة ووشيجة، روابط ووشائج لا يحيط بها إلا الله تعالى.
[المعنى الحرفى]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ. أي: تنصرونهم وتستنصرونهم، وتؤاخونهم وتعاشرونهم معاشرة المؤمنين. ثم ذكر علّة ذلك فقال:
بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ دلّ هذا على أن الكفر ملّة واحدة تجاه الإسلام والمسلمين، فما أسخف من ينسى هذا وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ أي: من جملتهم وحكمه حكمهم. وهذا تغليظ من الله، وتشديد في وجوب مجانبة المخالف في الدين، وقد كتبنا كتابنا «جند الله ثقافة وأخلاقا» وكان هدفا من أهدافه أن نبيّن أهمية الولاء في دين الله، ونبيّن حدوده، فليراجع. إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. أي: لا يرشد الذين ظلموا أنفسهم بموالاة الكفر، وقوله تعالى هنا: لا يَهْدِي .... يذكرنا بالآيتين اللتين هما محور سورة المائدة واللتين فيهما وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ ... فإذا تذكرنا هذا علمنا كيف أن هذا المقطع يأخذ محله في سياق السورة ضمن محورها ليطهر القلوب من كل ما يهلكها.
ويربيها على كل ما يزكيها فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ. أي: نفاق يُسارِعُونَ فِيهِمْ أى: يبادرون في موالاة اليهود والنصارى وأمثالهم ومعاونتهم، والسبب الدافع لذلك هو يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ. أي: يقولون في أنفسهم نخاف أن تصيب المسلمين حادثة، أو نازلة تدور بالحال التي يكونون عليها من الظهور والغلبة، فمن أجل أن تكون لهم أياد ووجه عند الكافرين، يبادرون إلى موالاتهم، هذا لسان حالهم وللمسلمين ظهور، فكيف إذا كانت الدائرة للإسلام والمسلمين كما هو الحال في زماننا، فإنك ترى العجب العجاب من مسارعة أهل النفاق للتهالك على أبواب أهل الكفر وخدمتهم، والتقرّب إليهم بضرب أولياء الله وحربهم فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ.
أي: لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين وللإسلام على الأعداء أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ. أي: أن