فالبداية والنهاية في موضوع واحد. وفي وسط المقطع ذكرنا الله- عزّ وجل بمنتين علينا: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ... لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
وفي منة الله- عزّ وجل- علينا بذلك في وسط الكلام الذي ينهانا عن مواطأة الكافرين والمنافقين في قضية الموت، ما هو كالبيان لنعم يذكرنا الله- عزّ وجل- بها، لا ينبغي معها أن نواطئ الكافرين والمنافقين في اعتقادهم في شأن الموت.
وفي هذه الأجواء، أجواء القتل في سبيل الله، وأجواء أقوال الكافرين والمنافقين في من قتلوا في سبيل الله، مما يترك آثاره في قلوب المسلمين يأتي قوله تعالى:
إن هذا يشير إلى أن القائد عليه أن يكون لينا، وأن يعفوا ويستغفر ويشاور، فليس دخول معركة يترتب عليه ما يترتب أمرا سهلا، خاصة وأن الكافرين والمنافقين سيثيرون زوابع. فلا بد أن يكون الصف الإيماني على غاية من الوعي والتلاحم، وذلك لن يتم إلا إذا كان على رأس الأمر قائد هذه صفاته.
وفي هذا السياق يذكرنا الله بالتوكل عليه، وأن النصر والخذلان منه، وفي هذا السياق يعمق الثقة بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم مما يوحي بأن القائد لا ينبغي له الغلول، ولا ينبغي أن يكون محل شك، فعلى القادة أن يلاحظوا ذلك.
[ولنبدأ عرض المقطع]
في هذا المقطع نهى الله عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار في اعتقادهم الفاسد، الدال عليه قولهم، عن إخوانهم الذين ماتوا في الأسفار والحروب: لو كانوا تركوا ذلك لما أصابهم ما أصابهم، ثم بين الله- عزّ وجل- أنه خلق هذا الاعتقاد الفاسد في قلوبهم ليزدادوا حسرة على موتاهم وقتلاهم، ثم رد عليهم اعتقادهم الفاسد، بأنه تعالى بيده الخلق وإليه يرجع الأمر، ولا يموت أحد ولا يحيا إلا بمشيئته وقدره، ولا يزداد في عمر أحد ولا ينقص منه شئ إلا بقضائه وقدره. ثم بين أن علمه وبصره نافذ في جميع خلقه، لا يخفى عليه من أمورهم شئ، ثم بين أن القتل في سبيله والموت في سبيله خير من البقاء في الدنيا وجمع حطامها الفاني؛ لأن القتل أو الموت في سبيله وسيلة إلى نيل رحمته وعفوه ورضوانه، ثم