هو تربية الضمائر، واستجاشة المشاعر؛ ورفع المقاييس الأخلاقية للحياة، حتى تشف وترف، وتتصل بنور الله .. وتتداخل الآداب النفسية الفردية، وآداب البيت والأسرة، وآداب الجماعة والقيادة. بوصفها نابعة كلها من معين واحد هو العقيدة في الله، متصلة كلها بنور واحد هو نور الله. وهي في صميمها نور وشفافية، وإشراق وطهارة.).
[ومن تقديم الأستاذ المودودي لسورة النور نأخذ هذه الفقرة]
(والذي يجدر بالملاحظة أن سورة النور خالية من المرارة التي قد تنشأ في الأذهان والقلوب عند رد الحملات الشنيعة القذرة. انظر في جانب في الظروف التي نزلت فيها هذه السورة، وانظر في الجانب الآخر في ما تشتمل عليه من الموضوعات، تعرف أي رزانة وتدبر معتدل وترفع عظيم وحكمة بالغة علينا أن نواجه به الفتن ونعالجها في أقسى الظروف المثيرة للعواطف، بل يثبت لنا في الوقت نفسه أن ليس هذا الكتاب مما اختلقه الرسول صلى الله عليه وسلم من عند نفسه، بل قد أنزله عليه الله الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولو أن هذا الكتاب كان من عند النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، لكان ظهر فيه- على كل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الصبر والأناة ورحابة الصدر وتحمل الشدائد- ولو بعض أثر للمرارة التي لا بد أن يجدها كل إنسان عفيف في نفسه إذا أصيب في عرضه).
[كلمة في سورة النور ومحورها]
فكرت كثيرا أي آية يمكن أن تكون محور سورة النور من البقرة، بحيث تأتي بعد محور سورة (المؤمنون) وقبل محور سورة الفرقان؟ فوقع في النفس أولا أن محورها هو قوله تعالى وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ (البقرة:
٩٩) إلا أنني لاحظت أنه قد جاء في سورة المؤمنون قوله تعالى يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً (الآية: ٥١) وهو يشبه قوله تعالى في سورة البقرة يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً (الآية: ١٦٨) ويشبه قوله تعالى في سورة البقرة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ ...
(الآية: ١٧٢) فافترضت أن يكون المحور متأخرا على هذه الآيات ولذلك فقد استقر القلب على أن محور سورة النور هو قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ