انقضاء الحرب وانفصال المعركة مخيّرون في أمرهم، إن شئتم مننتم عليهم فأطلقتم أساراهم مجانا، وإن شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم وتشارطونهم عليه. أقول: وفي الآية اختلافات فقهية سنذكرها في الفوائد. حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها أي:
أثقالها أي حتى تنتهي الحرب بينكم وبينهم بصورة من صور انتهاء الحرب الإسلامية، كما سنذكر ذلك في الفوائد. ذلِكَ أي: الأمر ذلك وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ أي: لانتقم منهم بغير قتال ببعض أسباب الهلاك كالخسف أو الرجفة، أو غير ذلك وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ أي: ولكن أمركم بالقتال ليبلو بعضكم ببعض، أي: المؤمنين بالكافرين تمحيصا للمؤمنين، وتمحيقا للكافرين. قال ابن كثير:(أي:
ولكن شرع لكم الجهاد وقتال الأعداء ليختبركم ويبلو أخباركم .. ). وهذا يفيد أنّه لا بدّ من بذل الجهد لنصرة الإسلام، وفي الآية ردّ على القاعدين عن نصرة دين الله بحجة أنّ الله ينصر دينه، ثم لما كان من شأن القتال أن يقتل كثير من المؤمنين قال تعالى وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ قال ابن كثير: أي لن يذهبها بل يكثّرها وينمّيها ويضاعفها، ومنهم من يجري عليه عمله طول برزخه.
سَيَهْدِيهِمْ أي: إلى الجنة وَيُصْلِحُ بالَهُمْ قال ابن كثير: أي أمرهم وحالهم وقال النسفي: أي يرضي خصماءهم، ويقبل أعمالهم
وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ أي: عرّفهم مساكنهم فيها حتى لا يحتاجون أن يسألوا، أو طيّبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة.
كلمة في السياق:[المقدمة حول موضوعاتها وعلاقة السورة بأوامر القتال في سورة البقرة]
١ - وهكذا قد عرّفتنا المقدمة على الأسباب التي من أجلها شرع الله الجهاد، وبيّنت لنا الطريق العمليّ لذلك، وهو الإثخان في القتل، وعدم اللجوء إلى الأسر والاعتقال إلا بعد هذا الإثخان، وأنه بعد الأسر والاعتقال يجوز للمسلمين المنّ أو الفداء، على خلافات بين الفقهاء سنراها في الفوائد. كما بيّن لنا تعالى حكمة عدم انتصاره المباشر من الكافرين أحيانا، وذلك من أجل أن يختبر إيمان المؤمنين هل يجاهدون في سبيله أم لا؟، وبيّن لنا بماذا يكافئ من يقتل في سبيله من هداية إلى الجنة، وإصلاح بال، فلا يقلقون على شئ في البرزخ، أو يوم القيامة، كما يدخلهم الجنة وقد طيبها لهم.