للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يريد مع أنه قد وقع ذلك في كتبه المتقدمة وشرائعه الماضية، كما أحل لآدم تزويج بناته من بنيه ثم حرم ذلك، وكما أباح لنوح بعد خروجه من السفينة أكل جميع الحيوانات ثم نسخ حل بعضها، وكان نكاح الأختين مباحا لإسرائيل وبنيه وقد حرم ذلك في شريعة التوراة وما بعدها، أمر إبراهيم بذبح ولده ثم نسخه قبل الفعل، وأمر جمهور بني إسرائيل بقتل من عبد العجل منهم ثم رفع عنهم القتل؛ كيلا يستأصلهم القتل، وأشياء كثيرة يطول ذكرها وهم يعترفون بذلك ويصدقونه».

وفي الصلة بين قوله تعالى ما نَنْسَخْ وبين ما قبلها زيادة على ما ذكرنا، ما قاله الألوسي: «ومناسبة الآية لما قبلها أن فيه ما هو من قبيل النسخ؛ حيث أقر الصحابة رضي الله عنهم مدة على قول (راعنا) وإقراره صلى الله عليه وسلم على الشئ منزل منزلة الأمر به والإذن فيه ثم إنهم نهوا عن ذلك، فكان مظنة لما يحاكي ما حكي في سبب النزول، أو لأنه تعالى لما ذكر أنه ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ كاد ترفع الطغام رءوسها وتقول: «إن من الفضل عدم النسخ .. فأتى سبحانه بما ينكس رءوسهم ويكسر ناموسهم ويشير إلى أن النسخ من جملة فضله العظيم، وجوده العميم، أو لأنه تعالى لما أشار إلى حقيقة الوحي ورد كلام الكارهين له رأسا، عقبه بما يبين سر النسخ الذي هو فرد من أفراد تنزيل الوحي وإبطال مقالة الطاعنين فيه فليتدبر» اه. وفي حكمة النسخ يقول صاحب الظلال: «فالتعديل الجزئي وفق مقتضيات الأحوال في فترة الرسالة هو لصالح البشرية ولتحقيق خير أكبر تقتضيه أطوار حياتها» اه. وسنعقد للنسخ فصلا بعد أن ننهي عرض المقطع ولننتقل إلى آية أخرى في الفقرة وهي:

أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ.

(أم) في اللغة العربية تأتي متصلة، وتأتي منفصلة، تأتي متصلة إذا سبقت بهمزة استفهام وجاءت حرفا معادلا له تقول (أجاز زيد أم خالد) وتأتي منفصلة إذا لم تسبق بشيء من هذا لفظا أو تقديرا، وتكون في هذه الحالة حرف إضراب تقديره (بل) قال الألوسي: جوز في (أم) هذه أن تكون متصلة وأن تكون منقطعة، ثم أخذ يوجه الاتصال والانقطاع، وذكر كيف أن بعضهم جزم بالانقطاع، والألوسي احتمل الاتصال لسبق (أم) بقوله تعالى أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.

ورده بعضهم لأن الخطاب في الآية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بينما الخطاب في الآية الثانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>