المقطع الثالث نحب أن ننقل بعض النقول، ونذكر بعض الفوائد.
[نقل عن الظلال حول قصة صالح عليه السلام]
(ومرة أخرى نجدنا أمام حلقة من حلقات الرسالة على مدار التاريخ ... الدعوة فيها هي الدعوة. وحقيقة الإسلام فيها هي حقيقته ... عبادة الله وحده بلا شريك، والدينونة لله وحده بلا منازع .. ومرة أخرى نجد الجاهلية التي تعقب الإسلام، ونجد الشرك الذي يعقب التوحيد- فثمود كعاد، هم من ذراري المسلمين الذين نجوا في السفينة مع نوح- ولكنهم انحرفوا فصاروا إلى الجاهلية، حتى جاءهم صالح ليردهم إلى الإسلام من جديد.
ولقد كان مشركو العرب يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم خارقة كالخوارق السابقة كي يؤمنوا. فها هم أولاء قوم صالح قد جاءتهم الخارقة التي طلبوا، فما أغنت معهم شيئا، إن الإيمان لا يحتاج إلى الخوارق. إنه دعوة بسيطة تتدبرها القلوب والعقول. ولكن الجاهلية هي التي تطمس على القلوب والعقول.
ومرة أخرى نجد حقيقة الألوهية كما تتجلى في قلب من قلوب الصفوة المختارة. قلوب الرسل الكرام. نجدها في قولة صالح التي يحكيها عنه القرآن الكريم: قالَ: يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ؟ فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ ... وذلك بعد أن يصف لهم ربه كما يجده في قلبه: إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ. وما تتجلى حقيقة الألوهية قط في كمالها وجلالها وروائها وجمالها كما تتجلى في قلوب تلك الصفوة المختارة من عباده. فهذه القلوب هي المعرض الصافي الرائق الذي تتجلى فيه هذه الحقيقة على هذا النحو الفريد العجيب.
ثم نقف من القصة أمام الجاهلية التي ترى في الرشد ضلالا؛ وفي الحق عجيبة لا تكاد تتصورها. فصالح الذي كان مرجوا في قومه لصلاحه ولرجاحة عقله وخلقه، يقف منه قومه موقف اليائس منه، المفجوع فيه! لماذا؟ لأنه دعاهم إلى الدينونة لله وحده. على غير ما ورثوا عن آبائهم من الدينونة لغيره.
إن القلب البشري حين ينحرف شعرة واحدة عن العقيدة الصحيحة، لا يقف عند حد في ضلاله وشروده. حتى إن الحق البسيط الفطري المنطقي ليبدو عنده عجيبة العجائب التى يعجز عن تصورها؛ بينما هو يستسيغ الانحراف الذي لا يستند إلى منطق