للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي من الطوفان والغرق إِلَّا مَنْ رَحِمَ أي إلا من رحمه الله، اعتقد- بجهله- أن الطوفان لا يبلغ إلى رءوس الجبال، وأنه لو تعلق في رأس جبل لنجاه ذلك من الغرق فقال له أبوه ما معناه إنه لا يعصمك اليوم معتصم قط من جبل ونحوه سوى معتصم واحد وهو مكان من رحمهم الله ونجاهم يعني السفينة، أو لا يعصمك اليوم إلا الله لأن من رحمه الله وحده فهو المعصوم وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ أي بين ابنه والجبل أو بين نوح وابنه فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ أي فصار من المغرقين، وهكذا كانت نهاية الكافرين والظالمين،

وتأتي الآن قصة نهاية الطوفان وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ أي انشقي ماءك وتشربي وَيا سَماءُ أَقْلِعِي أي أمسكي وَغِيضَ الْماءُ أي شرع في النقص وَقُضِيَ الْأَمْرُ أي وأنجز ما وعد الله نوحا من إهلاك قومه وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ أي واستقرت السفينة على المسمى بالجودي وَقِيلَ بُعْداً أي سحقا، والمراد البعد البعيد من حيث الهلاك والموت، ولذلك تخص هذه الكلمة بدعاء السوء لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي قوم نوح الذين غرقوا، ويسأل نوح ربه مستعلما وكاشفا عن حال ولده الذي غرق

وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي أي وقد وعدتني بنجاة أهلي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ الذي لا يخلف فكيف غرق وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ أي أعلم الحكام وأعدلهم

قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أي الذين وعدت إنجاءهم لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك ولهذا قال: وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ فكان هذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبي الله نوحا عليه السلام إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ هذا تعليل لانتفاء كونه من أهله، وفيه إيذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة

النسب، وأن نسيبك في دينك- وإن كان حبشيا وكنت قرشيا- لصيقك، ومن لم يكن على دينك وإن كان أمس أقاربك رحما فهو أبعد بعيد منك، وجعلت ذاته عملا غير صالح للإشعار بمبالغته في السوء فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ أي بجواز مسألته عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ فتسأل ما لا يجوز لك أن تسأله

قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ أي استجيرك من أن أطلب منك في المستقبل ما لا علم لي بصحته، تأدبا بأدبك، واتعاظا بموعظتك وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي ما فرط مني وَتَرْحَمْنِي بالعصمة عن العود إلى مثله أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ الذين خسروا الدنيا والآخرة

قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا أي بتحية منا أو سلامة من الغرق وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ البركات: هى الخيرات النامية، وهي في حقه بكثرة ذريته وأتباعه. قال

<<  <  ج: ص:  >  >>