للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعداء وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ أي: ولن ينقصكم أجر أعمالكم قال ابن كثير: أي ولن يحبطها ويبطلها ويسلبكم إياها، بل يوفيكم ثوابها، ولا ينقصكم منها شيئا.

أقول: أي لن يفعل بكم ما يفعله بالمرتدين من إحباط العمل.

ثمّ يأتي كلام متعدد جوانب الاتصال في السورة، فمما يصرف عن القتال: الدنيا والاستغراق فيها؛ ولذلك يأتي حديث عنها، ومما يحتاجه القتال: الإنفاق؛ ولذلك يأتي حديث عنه، ومما له علاقة بالجهاد في سبيل الله: أن يحمل لواءه شعب؛ ومن ثم يأتي حديث عن ذلك.

إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ أي: حاصلها ذلك إلا ما كان منها لله فهي تنقضي في أسرع مدة، وفي ذلك تحقير لأمر الدنيا، وتهوين لشأنها، ومجئ هذا المعنى في هذا السياق يفيد النهي عن أن تكون الدنيا سببا في الكفر، أو في الردة، أو في ترك الجهاد. ثم قال تعالى وَإِنْ تُؤْمِنُوا بأركان الإيمان وَتَتَّقُوا الله بفعل الأمر وترك النهي يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ أي: ثواب إيمانكم وتقواكم وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ أي:

لا يسألكم إياها جميعا، بل غيضا من فيض قال ابن كثير: (أي هو غني عنكم لا يطلب منكم شيئا وإنما فرض عليكم الصدقات من الأموال مواساة لإخوانكم الفقراء؛ ليعود نفع ذلك عليكم، ويرجع ثوابه إليكم) ثمّ بيّن حكمة ذلك فقال

إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ أي: فيستأصلها بالمطالبة بها كلها تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ الله بذلك أو البخل أَضْغانَكُمْ أي: أحقادكم، وفي ذلك درس بليغ للذين يشتغلون في الجهاد ألّا يكلّفوا الناس الكثير من الأموال، فإنّ عاقبة ذلك البخل والعداوة من الناس، وفي ذلك درس آخر وهو أنه مما يمتحن به الإنسان ليعرف ما في قلبه من نفاق مطالبته بالكثير من المال، وفي ذلك درس جديد في معرفة المنافق من لحن قوله، وبعد أن يبيّن الله عزّ وجل سنته في قضية الإنفاق، وأنه لا يطالب بما يستأصل الأموال، أعلم أنّ المسلمين مدعوون للإنفاق؛ لأن الجهاد يحتاج إلى مال، فقال

ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ قال النسفي: هي النفقة في الغزو أو الزكاة فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ قال ابن كثير: أي لا يجيب إلى ذلك وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ قال ابن كثير: (أي إنما نقص نفسه من الأجر وإنّما يعود وبال ذلك عليه)

<<  <  ج: ص:  >  >>