الحاكم لنصرته تلبية للفطرة البشرية، وتهدئة للغليان الذي تستشعره نفس الولي. الغليان الذي قد يجرفه ويدفعه إلى الضرب يمينا وشمالا في حمى الغضب والانفعال على غير هدى فأما حين يحس أن الله قد ولّاه على دم القاتل، وأن الحاكم مجند لنصرته على القصاص، فإن ثائرته تهدأ ونفسه تسكن ويقف عند حد القصاص العادل الهادئ.
والإنسان إنسان فلا يطالب بغير ما ركب في فطرته من الرغبة العميقة في القصاص لذلك يعترف الإسلام بهذه الفطرة ويلبيها في الحدود المأمونة، ولا يتجاهلها فيفرض التسامح فرضا، إنما هو يدعو إلى التسامح ويؤثره ويحبب فيه، ويؤجر عليه. ولكن بعد أن يعطي الحق. فلولي الدم أن يقتص أو يصفح، وشعور ولي الدم بأنه قادر على كليهما قد يجنح به إلى الصفح والتسامح، أما شعوره بأنه مرغم على الصفح فقد يهيج نفسه ويدفع به إلى الغلو والجماح!».
٣ - [بمناسبة قوله تعالى وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ .. ]
وبمناسبة النهي عن قفو ما ليس للإنسان به علم قال صاحب الظلال: «والعقيدة الإسلامية عقيدة الوضوح والاستقامة والنصاعة. فلا يقوم شئ فيها على الظن أو الوهم أو الشبهة: وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا.
وهذه الكلمات القليلة تقيم منهجا كاملا للقلب والعقل، يشمل المنهج العلمي الذي عرفته البشرية حديثا جدا، ويضيف إليه استقامة القلب ومراقبة الله، ميزة الإسلام على المناهج العقلية الجافة.
فالتثبّت من كل خبر ومن كل ظاهرة ومن كل حركة قبل الحكم هو دعوة القرآن الكريم ومنهج الإسلام الدقيق ومتى استقام القلب والعقل على هذا المنهج لم يبق مجال للوهم والخرافة في عالم العقيدة. ولم يبق مجال للظن والشبهة في عالم الحكم والقضاء والتعامل، ولم يبق مجال للأحكام السطحية والفروض الوهمية في عالم البحوث والتجارب والعلوم. والأمانة العلمية التي يشيد بها الكثيرون في العصر الحديث ليست سوى طرف من الأمانة العقلية القلبية التي يعلن القرآن تبعتها الكبرى، ويجعل
الإنسان مسئولا عن سمعه وبصره وفؤاده، أمام واهب السمع والبصر والفؤاد.
إنها أمانة الجوارح والحواس والعقل والقلب، أمانة يرتعش الوجدان لدقتها وجسامتها كلما نطق اللسان بكلمة، وكلما روى الإنسان رواية، وكلما أصدر حكما على