اختلفوا داخل هذا الاتجاه، ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق ممن على دين المسيح الصحيح إلا قليل، يدل على ذلك قصة سلمان الفارسي كما نقلناها في كتابنا (الرسول صلى الله عليه وسلم)، ولا شك أن بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تأييدا للمؤمنين الحقيقيين بعيسى عليه السلام، إلا أن الآية تشير إلى التأييد الأول داخل بني إسرائيل، حيث أيد الحواريون بالخوارق الكثيرة مما كان لهم به الغلبة على الكافرين بعيسى من بني إسرائيل، وما يعتمده النصارى من كتب العهد الجديد، يشير إلى مثل هذا، وإن كان كل ما يذكر في كتب العهد الجديد يمثل مدرسة بولس المحرف لدين المسيح عليه السلام.
[كلمة في السياق]
١ - بدأت السورة بتبيان ضرورة موافقة العمل للقول، وتقرير أن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص، ثم ذكرت السورة مبررات القتال وأسبابه، وبشرت المؤمنين بالظهور، ثم حضت على الإيمان بالله والرسول والجهاد في سبيل الله، مبينة ثواب ذلك، ثم جاء وعد الله للمجاهدين المؤمنين بالنصر والفتح، ثم جاءت الفقرة الأخيرة تحض على نصرة الله، والتأسي بأصحاب عيسى في ذلك، وبيان ما أعطى الله أصحاب عيسى من التأييد الذي أمر الله رسوله أن يبشر به من جاهد، والذي وعد الله به هذا الدين بقوله: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، ولم تزل هذه الأمة مؤيدة منصورة إذا جاهدت، ولم يزل حملة دين الله وأنصاره يكرمهم الله عزّ وجل بأنواع التأييدات الربانية بالخوارق والكرامات، وقبول القلوب لهديهم، ومع صعوبة الظروف التي يعيشها المسلمون في عصرنا بسبب سيطرة الكفر وأهله على سياسة العالم، فإن الإسلام يزحف وينتشر، ومع أنه لا يقاتل اليوم إلا نادرا تحت راية (لا إله إلا الله) فإن التأييدات الربانية تظهر بمظاهر متعددة. وعند ما يفئ المسلمون إلى دينهم ويبدءون عملية الجهاد شاملة، فإن خارطة العالم كله ستتغير لصالحهم، ذلك وعد الله الذي لا يتخلف.
٢ - في مقدمة سورة البقرة وصف للمتقين الذين من صفاتهم أنهم يؤمنون بالغيب، وفي الفقرة الأخيرة نداء لهؤلاء المؤمنين أن ينصروا الله عزّ وجل، ووعد ضمني لهم بالتأييد من خلال الكلام عن أسوتهم في ذلك.
٣ - فصلت سورة الصف في قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ من