للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا ينكره إلا كافر

وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ أي بالقرآن نافِلَةً لَكَ أي عبادة زائدة لك على الصلوات الخمس. والمعنى: أن التهجد زيد لك على الصلوات المفروضة غنيمة لك، أو فريضة عليك خاصة دون غيرك، لأنه تطوع لهم، والتهجد في الأصل ترك الهجود للصلاة، ومن ثم فإنه يكون عادة بعد نوم، فالآية فيها أمر لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقيام الليل زيادة على المكتوبة. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه سئل أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة قال: «صلاة الليل». ثم قال تعالى: عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً أي افعل هذا الذي أمرتك به؛ لنقيمك يوم القيامة مقاما محمودا، يحمدك فيه الخلائق كلهم، وخالقهم تبارك وتعالى. قال ابن جرير:

قال أكثر أهل التأويل: ذلك هو المقام الذي يقومه محمد صلّى الله عليه وسلّم يوم القيامة للشفاعة للناس؛ ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم

وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ في شأني كله، وفي كل ما أدخل فيه وأخرج من أمر أو مكان، وقد نزلت حين الأمر بالهجرة كما سنرى وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً أي ملكا وعزا قويا ناصرا للإسلام على الكفر، مظهرا له عليه، أو حجة بينة تنصرني بها على من خالفني، والقول الأول هو الذي رجحه ابن جرير. قال ابن كثير: وهو الأرجح لأنه لا بد مع الحق من قهر لمن عاداه وناوأه

وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ أي الإسلام كما قال النسفي وَزَهَقَ الْباطِلُ أي وذهب وهلك، إذ الباطل لا ثبات له مع الحق ولا بقاء إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً أي مضمحلا في كل أوان، فليس من لقاء ولا من مساومة، فالباطل عدم، والحق وجود، وعلى العدم أن يرحل أمام الوجود.

هذه هي الأوامر التي وجهت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا السياق: الأمر بإقامة الصلوات الخمس، والأمر بالتهجد، والأمر بالاستعانة بالله في كل شئ ودعائه، والإعلان عن مجئ الحق وزهوق الباطل. وفي هذا الإعلان ما يفيد أن الباطل كله يجب أن ينتهي. ومجئ هذه الأوامر في هذا السياق واضح الحكمة، سواء في ذلك سياق السورة، أو السياق الكلي للقرآن، وبعد هذه الأوامر تأتي هذه الآية:

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ للقلوب من أمراضها، من شك، ونفاق، وزيغ، وميل، وضعف وَرَحْمَةٌ يحصل بها الإيمان، وتوجد بها الحكمة، وتتحقق بها السعادة لِلْمُؤْمِنِينَ فهم وحدهم الذين يعتبر القرآن في حقّهم شفاء ورحمة، به

<<  <  ج: ص:  >  >>