وَلَّى مُدْبِراً أي هرب منهزما وَلَمْ يُعَقِّبْ أي ولم يكن يلتفت لأن طبع البشرية ينفر من ذلك فقال الله له يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ أي أمنت أن ينالك مكروه من الحية فرجع فوقف في مقامه الأول
أَسْئَلَكَ أي أدخل يَدَكَ فِي جَيْبِكَ أي في جيب قميصك أي في فتحة العنق أي في عبك تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أي من غير برص قال ابن كثير: أي إذا أدخلت يدك في جيب درعك ثم أخرجتها فإنها تخرج تتلألأ كأنها قطعة قمر في لمعان البرق وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ أي من الخوف، والمعنى: واضمم يدك إلى صدرك يذهب ما بك من فرق أي لأجل الحية فَذانِكَ أي قلب العصا حية وخروج يده بيضاء بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ أي حجتان نيرتان، ودليلان قاطعان واضحان على قدرة الفاعل المختار وصحة نبوة من جرى هذا الخارق على يديه إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ أي وقومه من الرؤساء والكبراء والأتباع إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ أي خارجين عن طاعة الله، مخالفين لأمره ودينه
قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً يعني ذلك القبطي فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ أي: إذا رأوني
وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً قال ابن كثير: وذلك أن موسى عليه السلام كان في لسانه لثغة بسبب ما كان تناول تلك الجمرة حين خير بينها وبين التمرة أو الدرة، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه، فحصل فيه شدة في التعبير فَأَرْسِلْهُ أي هارون مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي أي عونا قال ابن كثير: أي وزيرا ومعينا ومقويا لأمري يصدقني فيما أقوله، وأخبر به عن الله عزّ وجل لأن خبر الاثنين أنجع في النفوس من خبر الواحد. قال النسفي: ومعنى تصديقه موسى إعانته إياه بزيادة البيان في مظان الجدال إن احتاج إليه ليثبت دعواه لا أن يقول له صدقت ألا ترى إلى قوله هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ وفضل الفصاحة إنما يحتاج إليه لتقرير البرهان، لا لقوله صدقت فسحبان وباقل فيه يستويان إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ هذا تعليل لسؤاله الله عزّ وجل أن يكرمه بأخيه
قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ أي سنقوي أمرك ونعز جانبك بأخيك الذي سألت له أن يكون نبيا معك وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً أي حجة قاهرة، أو غلبة وتسلطا وهيبة في قلوب
الأعداء فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا قال ابن كثير: أي لا سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكما بسبب إبلاغكما آيات الله أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ أي القاهرون فهذه بشارة بالنصر. وبهذا انتهى المشهد الرابع.