فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ* حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ أي: مخدرات يقال، امرأة قصيرة ومقصورة أي مخدرة ملازمة لبيتها، لا تطوف في الطرق، والنساء يمدحن بملازمتهن البيوت لدلالتها على صيانتهن، والخيام من اللؤلؤ المجوف كما صح في الأحاديث التي سنراها في الفوائد.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ* لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ* فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قد تقدم مثله سواء
مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ قال النسفي:
(الرفرف: هو كل ثوب عريض وقيل الوسائد) خُضْرٍ لما للأخضر من ميزات في إراحة العيون والأنفس وَعَبْقَرِيٍّ أي: ديباج أو طنافس حِسانٍ أي:
جياد
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فتنصرفان عن طلب ذلك وبذل مهوره من عبادة وتقوى
تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ أي: ذي العظمة وَالْإِكْرامِ أي:
لأوليائه بالإنعام، قال ابن كثير:(أي هو أهل أن يجل فلا يعصى، وأن يكرم فيعبد، ويشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى ... ).
أقول: بدأت السورة بذكر اسم الله الرحمن وانتهت بهذه الآية؛ وذلك يشير إلى أن التعريف بالله الذي يستحق العبادة والتقوى، هو المصب الرئيسي للسورة، وبمعرفتنا لذلك نكون قد أدركنا معنى رئيسيا من المعاني التي تربط بين السورة ومحورها، إذ لا عبادة ولا تقوى ولا توحيد إلا بعد معرفة الله عزّ وجل حق المعرفة، ومن ثم أمرنا الله في المحور بعبادته كطريق يوصل إلى تقواه، وعرفنا على ذاته.
[الفوائد]
١ - بدأ الله عزّ وجل سورة الرحمن- وهي السورة التي تعدد آلاءه عزّ وجل- بذكر اسمه الرحمن وفي ذلك إشارة إلى أن كل ما ذكر فيها هو أثر عن رحمته، سواء في ذلك إنعامه على عباده في الدنيا، أو معاملته الكافرين بالعدل في الآخرة، أو إعطاؤه المؤمنين الجنات في الآخرة، كل ذلك من آثار رحمته عزّ وجل، ولو سأل سائل: وهل تعذيب الكفار رحمة؟ نقول: نعم، فمن عرف تعذيب الكافرين لأهل الإيمان في الدنيا يدرك أن من رحمة الله بعباده المؤمنين أن يعامل الكافرين بعدله يوم القيامة، وهذه السورة وما ورد فيها تعتبر ردا كاملا على ما يزعمه بعض المستشرقين من أن الله عزّ وجل في الإسلام جبار منتقم قهار ذو صفات قهرية فقط، إن مثل هذا الكلام ظاهر المغالطة، وهو إن دل على شئ فإنما يدل على جهل صاحبه، فأدنى قراءة لأسماء الله