لا يقدر عليها إلا الله، ولا يدعيها أحد ممن يكذبون بالآخرة ويتمارون فيها. فهي قاطعة في أن هناك إلها واحدا يدبر هذا الأمر ويقدره؛ كما أنها بينة لا ترد على يسر النشأة الآخرة، وإيحاء قوي بضرورة النشأة الآخرة. تمشيا مع التقدير والتدبير الذي لا يترك هذا الإنسان سدى، ولا يدع حياته وعمله بلا وزن ولا حساب).
(ومن المشاهد المؤثرة التي تحشدها السورة، وتواجه بها القلب البشري مواجهة قوية ... مشهد يوم القيامة وما يجري فيه من انقلابات كونية، ومن اضطرابات نفسية، ومن حيرة في مواجهة الأحداث الغالبة حيث يتجلى الهول في صميم الكون، وفي أغوار النفس).
(وهكذا يشعر القلب- وهو يواجه هذه السورة- أنه محاصر لا يهرب.
مأخوذ بعمله لا يفلت. لا ملجأ له من الله ولا عاصم. مقدرة نشأته وخطواته بعلم الله وتدبيره. في النشأة الأولى وفي النشأة الآخرة سواء. بينما هو يلهو ويلعب ويغتر ويتبطر).
(وهكذا تعالج السورة عناد هذا القلب وإعراضه وإصراره ولهوه. وتشعره بالجد الصارم الحازم في هذا الشأن. شأن القيامة. وشأن النفس. وشأن الحياة المقدرة بحساب دقيق. ثم شأن هذا القرآن الذي لا يخرم منه حرف، لأنه من كلام العظيم الجليل، الذي تتجاوب جنبات الوجود بكلماته، وتثبت في سجل الكون الثابت، وفي صلب هذا الكتاب الكريم).
[كلمة في سورة القيامة ومحورها]
تبدأ سورة القيامة بقسمين لا تجيب عليهما، لأن الجواب مفهوم من سياق السورة، وبعد القسمين يأتي قوله تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ ... ثم تسير السورة حتى تصل إلى قوله تعالى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ... مما يشير إلى أن السورة ترد على ظنين اثنين للكافرين كل منهما له علاقة باليوم الآخر، وله علاقة برفض التكليف. وفي وسط السورة توجيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كيفية تلقي القرآن، وكلام عن موت الكافر، وكيف يلقى الله عزّ وجل بلا إيمان ولا صلاة بل بتكذيب وإعراض، فلنتذكر مقدمة سورة البقرة:
تتحدث مقدمة سورة البقرة عن المتقين والكافرين والمنافقين. والمنافقون كافرون،