سبحانه صادرة عن حكمة بالغة لأجلها فعل، وقد دل كلامه تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم على هذا في مواضع لا تكاد تحصى، ولا سبيل إلى استيعاب أفرادها، فنذكر بعض أنواعها، وساق اثنين وعشرين نوعا في بضع عشرة ورقة ثم قال: لو ذهبنا نذكر ما يطلع عليه أمثالنا من حكمة الله تعالى في خلقه وأمره، لزاد ذلك على عشرة آلاف موضع، ثم قال: وهل إبطال الحكم والمناسبات، والأوصاف التي شرعت الأحكام لأجلها إلا إبطال الشرع جملة؟ وهل يمكن فقيها على وجه الأرض أن يتكلم في الفقه مع اعتقاده بطلان الحكمة والمناسبة والتعليل. وقصد الشارع بالأحكام مصالح العباد؟ ثم قال: والحق الذي لا يجوز غيره، هو أنه سبحانه يفعل بمشيئته وقدرته وإرادته، ويفعل ما يفعل بأسباب وحكم، وهذا قول جمهور أهل الإسلام، وأكثر طوائف النظار، وهو قول الفقهاء قاطبة) أهـ.
[كلمة في السياق]
أحصت هذه المجموعة من الآيات مجموعة الأسباب التي تجعل هؤلاء يغفلون عن الحساب ويعرضون عن الحق، وفندتها كلها، وأبطلتها، وإذا كان الأمر كذلك فليس إلا الجهل هو سبب الغفلة والإعراض.
إن الصلة بين هذه المجموعة وسياق السورة الخاص من حيث إن السورة تعلل أسباب الغفلة والإعراض وتفندها، واضحة، وقد مر معنا ما فيه الكفاية في ذلك، والصلة بين هذه المجموعة، وبين محور السورة من سورة البقرة كذلك واضحة ففي سورة البقرة:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وهذه المجموعة تبين علة كفر هؤلاء، وهي الجهل الذي يترتب عليه إعراض، ومن اجتمع له الجهل والإعراض، فهو لا يسمع ولا يرغب أن يسمع، ومن ثم فالكلام معه وعدمه سواء.
[فوائد]
١ - دل قوله تعالى أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ على أن من لا يملك النشر- أي إحياء الموتى- لا يصح أن يكون إلها وإذا كان الله تعالى وحده هو القادر على كل شئ، فهو وحده القادر على النشر، فهو وحده الإله، وفي ذلك تقريع لمن نسي الحساب، وتقريع لمن اتخذ معه إلها.
٢ - من أعظم الأدلة التي ذكرها القرآن على التوحيد هو قوله تعالى لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا