للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويسمي العلماء هذا الدليل على الوحدانية ببرهان التمانع، وقد شغل هذا البحث عشرات الصفحات من كتب المصنفين في علم الكلام، وأنت تعجب عند ما تقرأ هذه المباحث الطويلة، كيف أن هذا التعبير القصير يدخل إلى القلب، وإلى العقل، بما لا مزيد عليه، ثم إنه يعجز البشر عن أن يستوعبوا حدود آفاقه، وبمناسبة هذا النص ذكر الألوسي كلاما كثيرا للعلماء فيما سمي- باصطلاح العلماء- ببرهان التمانع، ونحن ننقل لك هاهنا عنه بعض ما نقله عن الدواني: قال الدواني: (إن للتمانع عندهم معنيين: أحدهما إرادة أحد القادرين وجود المقدور، والآخر عدمه، وهو المراد بالتمانع في البرهان المشهور ببرهان التمانع، وثانيهما إرادة كل منهما إيجاده بالاستقلال من غير مدخلية قدرة الآخر فيه، وهو التمانع الذي اعتبروه في امتناع مقدور بين قادرين، وقولهم لو تعدد الإله لم يوجد شئ من الممكنات؛ لاستلزامه أحد المحالين، إما وقوع مقدور بين قادرين، وإما الترجيح بلا مرجح، وحاصل البرهان عليه: أنه لو وجد إلهان قادران على الكمال، لأمكن بينهما تمانع، واللازم باطل؛ إذ لو تمانعا وأراد كل منهما الإيجاد بالاستقلال يلزم: إما أن لا يقع مصنوع أصلا، أو يقع بقدرة كل منهما، أو بأحدهما. والكل باطل، ووقوعه بمجموع القدرتين مع هذه الإرادة يوجب عجزهما؛ لتخلف مراد كل منها عن إرادته، فلا يكونان إلهين قادرين على الكمال، وقد فرضا كذلك؛ ومن هنا ظهر أنه على تقدير التعدد لو وجد مصنوع لزم إمكان أحد المحالين، إما إمكان التوارد، وإما إمكان الرجحان من غير مرجح، والكل محال؛ وبهذا الاعتبار- مع حمل الفساد على الكون- قيل بقطعية الملازمة في الآية فهي دليل إقناعي من وجه، ودليل قطعي من وجه آخر والأول بالنسبة إلى العوام والثاني بالنسبة إلى الخواص.

٣ - عرفنا الله عزّ وجل على ذاته تعريفا كاملا بالقدر الذي يحتاجه الإنسان، وتقوم به الحجة على الإنسان في التدليل على وجود الله، وعلى اتصافه بالصفات العليا، والأسماء الحسنى، وبالقدر الذي تقوم به الحجة على حكمة الله في أفعاله وأحكامه، وبالقدر الذي يحتاجه المكلف، وتقوم به الحجة على التكليف، وعلى الجزاء والعقاب،

أما ما فوق ذلك فقد أخبرنا الله عزّ وجل عن ذاته بقوله: وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً إن كثيرين من الناس يوغلون في بعض المباحث إلى الحد الزائد عما تقوم به الحجة، وهاهنا يقعون في الخطأ لأن هذا مقامه لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ فمثلا: في الدعوة إلى الله علينا أن نبرهن على أن الله موجود، وعلى أنه أرسل رسولا، وعلى أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>