للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ تقييد العمل بالإيمان دليل لأهل السنة والجماعة على أن العمل ليس من الإيمان، بل علامة عليه، وكمال فيه. فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً. أي: قدر نقير، والنقير: هو النقرة في ظهر النواة.

والضمير في وَلا يُظْلَمُونَ يعود لعمال السوء، وعمال الصالحات جميعا، وجاز أن يكون ذكره عند أحد الفريقين دليلا على ذكره عند الآخر.

وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ. أي: أخلص نفسه لله، وجعلها سالمة له لا يعرف لها ربا ولا معبودا سواه وَهُوَ مُحْسِنٌ. أي: يعمل الحسنات مع المراقبة لله وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً الحنيف: هو المائل عن الأديان الباطلة إلى الدين الحق. والجواب: أنه لا أحد أحسن دينا ممن اجتمع له الإسلام والإحسان، والاتباع لملة إبراهيم. كيف لا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا. الخليل في الأصل اللغوي هو الخال، وهو الذي يخالك، أي يوافقك في خلالك، أو يداخلك منزلك، أو يسد خللك والخلة هنا صفاء مودة ويفهم منها الاختصاص بتخلل الأسرار. وقد اصطفى الله- عزّ وجل- إبراهيم لمقام الخلة عنده. وفائدة ذكر هذه الجملة تأكيد وجوب اتباع ملته وطريقته، لأن من بلغ من الزلفى عند الله أن اتخذه خليلا، كان جديرا بأن تتبع ملته وطريقته.

وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ ذكر هذا بعد ما سبقه إشارة إلى أن اتخاذ الله إبراهيم خليلا إنما كان لاحتياج الخليل إليه؛ مكافأة له على عبوديته، لا لاحتياجه تعالى إليه، لأنه منزه عن ذلك، فهو مالك كل شئ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً أي:

عالما. قال ابن كثير في تفسيرها: أي علمه الفذ في جميع ذلك، لا تخفى عليه خافية من عباده، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، ولا تخفى عليه ذرة مما تراءى للناظرين، وما توارى.

[فوائد]

١ - في سبب نزول قوله تعالى: لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ قال ابن عباس: تخاصم أهل الأديان، فقال أهل التوراة: كتابنا خير الكتب، ونبينا خير الأنبياء، وقال أهل الإنجيل مثل ذلك، وقال أهل الإسلام: لا دين إلا الإسلام، وكتابنا نسخ كل كتاب، ونبينا خاتم النبيين، وأمرتم وأمرنا أن نؤمن بكتابكم ونعمل بكتابنا، فقضى الله بينهم وقال:

لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ الآية. وخير بين الأديان فقال: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ. قلت فأظهر

<<  <  ج: ص:  >  >>