للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالبحر العذب، وكأن مجموع المياه العذبة في العالم تشكل بحرا، وهذا البحر مرجعه في النهاية إلى البحر الملح

بَيْنَهُما أي: بين البحر العذب والملح بَرْزَخٌ أي:

حاجز لا يَبْغِيانِ أي لا يتجاوزان حديهما، قال ابن كثير: (أي وجعل بينهما برزخا وهو الحاجز من الأرض لئلا يبغي هذا على هذا، وهذا على هذا، فيفسد كل واحد منهما الآخر، ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه، أقول: ولعل الحاجز بينهما هو عالم الأسباب الذي يجعل ماء البحر يتبخر وحده بلا ملح، وحيلولة اليابسة دون امتداد ماء البحر، ووجود قوانين المد والجزر التي لها صلة بمكان القمر من مجموع الأرض، فالبحران يلتقيان في حال، وبينهما برزخ في حال، وفي ذلك كله من المصالح لخلق الله الكثير، فلو كان البحر العذب لا يلتقي مع البحر المالح لجف المالح على المدى البعيد، ولأنتن البحر العذب وغمر اليابسة في العالم، ولتعذرت الحياة على الأرض،

ومن ثم قال تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فلا تشكران بأن تعبدا وتتقيا،

ثم حدثنا تعالى عن نعمة أخرى من نعمه في البحرين فقال: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ أي: يخرج من مجموعهما اللؤلؤ والمرجان، واللؤلؤ: كبار الدر، والمرجان: إما صغار الدر، وإما نوع آخر من الجواهر أحمر اللون. قال النسفي:

(وإنما قال منهما وهما يخرجان من الملح لأنهما لما التقيا وصارا كالشئ الواحد جاز أن يقال يخرجان من البحر ولا يخرجان من جميع البحر، ولكن من بعضه، وتقول:

خرجت من البلد وإنما خرجت من محلة من محاله). وفي ذكر اللؤلؤ والمرجان اللذين لهما علاقة بقضية الزينة والجمال لفت نظر إلى دقائق من النعم الجمالية، أودعها الله في هذا الكون، ليرينا تكامل النعم علينا

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فلا تشكران فتعبدان وتتقيان،

ثم ذكر نعمة أخرى على الإنسان مرتبطة بالبحار فقال: وَلَهُ الْجَوارِ يعني: السفن التي تجري الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ أي: المصنوعات في البحر كَالْأَعْلامِ أي: كالجبال الطويلة في كبرها، وفي هذه الآية أكثر من معجزة قرآنية سنراها في الفوائد، والآية تذكر بتسخير الله الأشياء للإنسان، حتى استطاع أن يصنع منها مثل هذه السفن العظيمة التي تخدم مصالحه الكبيرة في هذا العالم، من نقل وانتقال وجلب

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فلا تشكران بأن تعبدا وتتقيا

كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ أي: كل من على الأرض من الأحياء ميت، وليس المراد بالفناء الانعدام بالكلية كما فهمه بعض الجهلة

وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ أي:

ذو العظمة والسلطان وَالْإِكْرامِ أي: وذو الإكرام وذو الإحسان. قال

<<  <  ج: ص:  >  >>