السياق على الأمر الأول في السورة فَسَبِّحْ أيها المؤمن، أو أيها الإنسان بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ عبادة له وتنزيها له عن قول هؤلاء؛ لتتحقق بالتقوى فتكون من المقربين أو من أهل اليمين، فكما خاطب مقطع الطريقين الناس جميعا داعيا لهم للعبادة للوصول إلى التقوى، فسورة الواقعة تخاطب الناس جميعا لتبعثهم على العبادة من خلال عرض حال الناس يوم القيامة، ومن خلال إقامة الحجة على الناس، ومن خلال الدلالة على باب من أبواب العبادة الموصلة إلى التقوى، وسنرى هذا شيئا فشيئا، فلنر تفصيل ما أعد الله للأصناف الثلاثة، وقد ابتدأ الله بتفصيل ما للسابقين، مع أنه تعالى ذكرهم آخرا لأنهم الأفضل.
...
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ* ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ* وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ ثم قال تعالى:
عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ قال النسفي:(أي: مرمولة ومنسوجة بالذهب مشبكة بالدر والياقوت) والوضن في الأصل: نسج الدرع، ثم استعير للنسيج، أو لنسيج محكم مخصوص، ومن ثم فسر المفسرون الآية بما ذكر مستأنسين ببعض الآثار
مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ قال النسفي:(أي ينظر بعضهم في وجوه بعض، ولا ينظر بعضهم في أقفاء بعض) وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق وصفاء المودة
مبقون أبدا على شكل الولدان، لا يتحولون عنه. قال ابن كثير: أي مخلدون على صفة واحدة لا يكبرون عنها، ولا يشبون ولا يتغيرون. قال النسفي:(قيل هم أولاد أهل الدنيا لم تكن لهم حسنات فيثابوا عليها، ولا سيئات فيعاقبوا عليها، وفي الحديث أولاد الكفار خدام أهل الجنة)
ثم ذكر الله تعالى بم يطوف هؤلاء الغلمان على أهل الجنة فقال: بِأَكْوابٍ وهي الكيزان التي لا خراطيم لها ولا آذان وَأَبارِيقَ وهي الآنية التي لها خرطوم وعروة وَكَأْسٍ وهو القدح الذي فيه الشراب، أما إذا لم يكن فيه شراب فلا يسمى كأسا مِنْ مَعِينٍ أي: من خمر تجري من العيون.
قال ابن كثير: والجميع من خمر من عين جارية معين، وليس من أوعية تنقطع وتفرغ بل من عيون سارحة
لا يُصَدَّعُونَ عَنْها أي: عن هذه الخمر، أي بسببها، أي