ذهب بعض المفسرين إلى أن المسخ الذي وقع بأهل القرية إنما كان مسخ قلوب وليس مسخ أجساد، وليس هذا صحيحا، بل هو اتجاه خاطئ، فالمسخ كان صوريا معنويا كما قال ابن كثير، إذ لا داعي يدعو إلى صرف النص عن ظاهره والنص صريح فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ قال الضحاك عن ابن عباس: فمسخهم الله قردة بمعصيتهم، قال ابن عباس:«ولم يعش قط فوق ثلاثة أيام، ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل» أقول: في هذا رد على من يتصور أن القردة الحالية يحتمل أن يكون أصلها بشرا قد مسخوا، وهو موضوع سنراه فيما بعد وإنما انفرد بفكرة المسخ المعنوي مجاهد، وفي الحديث الذي أخرجه مسلم في كتاب القدر في جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن القردة والخنازير هي مما مسخ فقال:«إن الله لم يهلك قوما أو يعذب قوما فيجعل لهم نسلا وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك».
[فصل في الاستهزاء والمزاح]
بمناسبة قول اليهود لموسى أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ قال القرطبي: في الآية دليل على منع الاستهزاء بدين الله ودين المسلمين ومن يجب تعظيمه، وأن ذلك جهل، وصاحبه مستحق للوعيد، وليس المزاح من الاستهزاء بسبيل، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح والأئمة بعده ...
[فصل في السلم في الحيوان]
استدل بقوله تعالى إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها على صحة بيع السلم في الحيوان إذ إن الآية حصرت صفات البقرة حتى تعينت أو تم تقييدها بعد الإطلاق، وهو مذهب مالك، والأوزاعي، والليث، والشافعي، وأحمد، وجمهور العلماء، وقال أبو حنيفة، والثوري، والكوفيون، لا يصح السلم في الحيوان لأنه لا تنضبط أحواله، وحكي مثله عن ابن مسعود وحذيفة بن اليمان، وعبد الرحمن بن سمرة؛ وغيرهم ونحن نرجح التوسيع في باب السلم؛ على اعتبار أن السلم أحد الحلول التي وضعها الإسلام في وجه الربا، وهو البديل الأقوى كما سنرى، ولكن على أن يراعى في حالة الفتوى شروط الأئمة المجيزين حتى لا نقع في مخالفة لإجماع.