رأينا أن محور السورة هو الأمر بالدخول في الإسلام كله، وفي الآيات الأربع التي مرت معنا ذكر الله عزّ وجل آداب المساجد التي هي بيوت الإسلام كما ذكر أعمالا من الإسلام، وعرفنا على أهل الإسلام، ما صفاتهم، وما خصائصهم، وأين مظنة وجودهم، وهذا يمضي على نسق سياق السورة، وضمن محورها، وقد عرضت هذه المعاني ضمن الحديث عن الله، وأنه الهادي للسماوات والأرض، وفي ذلك تعليل لضرورة الدخول في الإسلام، كما أنه تدليل على ضرورة الشريعة، وإنزال الوحي ووجوب الاهتداء بهدي الله، أي وجوب الدخول في الإسلام، ووجوب الالتزام بالأحكام وقد اختيرت لذلك ألفاظ تسع الزمان والمكان، فنحن في عصر الكهرباء، نكاد نحس أن جزءا مما نستعمله في الإضاءة الكهربائية قد أريد، وفي عصور أخرى يرون المثل كائنا مرئيا أمامهم. إن مثل هذا الإبداع في البيان- الذي لا يمكن أن تجده إلا في هذا القرآن- لأعظم دليل على أن منزل هذا القرآن هو الرحمن جل وعلا، ولنعد إلى التفسير:
بعد أن ضرب الله مثلا لهداه العام من خلال تعريفنا على هداه الخاص للمؤمنين يضرب مثلين للكافرين:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ السراب: هو ما يرى في الفلاة من ضوء الشمس وقت الظهر، يسرب على وجه الأرض، كأنه ماء يجري بِقِيعَةٍ القيعة:
جمع قاع كالجيرة جمع جار، والقاع: هو المنبسط المستوي من الأرض يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ أي يظنه العطشان ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ أي إذا جاء ما توهم أنه ماء لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً كما
ظنه، لأنه لم يبن عمله على إيمان وَوَجَدَ اللَّهَ أي جزاءه عِنْدَهُ أي عند الكافر فَوَفَّاهُ حِسابَهُ أي أعطاه جزاء عمله وافيا كاملا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ لأنه لا يحتاج إلى عد وعقد، ولا يشغله حساب عن حساب، أو المعنى: أن حسابه قريب لأن ما هو آت قريب. قال النسفي: (شبه ما يعمله من لا يعتقد الإيمان، ولا يتبع الحق، من الأعمال الصالحة، التي يحسبها تنفعه عند الله، وتنجيه من عذابه، ثم يخيب في العاقبة أمله، ويلقى خلاف ما قدر بسراب يراه الكافر بالساهرة، وقد غلبه عطش يوم القيامة، فيحسبه ماء فيأتيه فلا يجد ما