في قوله تعالى على لسان موسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً دليل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم، وإن كان قد بلغ نهايته.
وأن يتواضع لمن هو أعلم منه، وفيه دليل على أن الإنسان كلما ارتقت نفسه لم يبق عنده كبر. فهذا موسى رسول من أولي العزم لم يجد غضاضة أن يطلب من الخضر عليه السلام أن يعلمه.
٧ - [لماذا جاز قتل الغلام في حق الخضر عليه السلام؟]
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نجدة الحروري كتب إليه: كيف جاز قتل الغلام، وقد نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قتل الولدان؟ فكتب إليه: إن علمت من حال الولدان ما علمه عالم موسى فلك أن تقتل. وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما أنه قال لبعض الخوارج في كلام جرى بينهما: بم حفظ الله الغلامين. قال: بصلاح أبيهما.
قال: فأبي وجدي خير منه. ومن مثل هذا تجد كيف أن في القرآن هداية لا يحدها حدّ.
٨ - [كلام ابن كثير حول سبب إغفال ذكر فتى موسى بعد ذكره في أول القصة]
قال ابن كثير: فإن قيل: فما بال فتى موسى ذكر في أول القصة، ثم لم يذكر بعد ذلك؟ فالجواب أن المقصود بالسياق إنما هو قصة موسى مع الخضر، وذكر ما كان بينهما، وفتى موسى معه تبع، وقد صرّح في الأحاديث المتقدمة في الصحاح وغيرها أنه يوشع بن نون، وهو الذي كان يلي بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام.
٩ - [أقوال المفسرين حول معنى الكنز في القصة]
للمفسرين كلام كثير حول الكنز ما هو، فمنهم من ذهب أنه مال. ومنهم من ذهب أنه نصائح، كما لهم كلام حول الأب الصالح، هل هو أب مباشر، أو أب قديم بينهم وبينه آباء عددهم سبعة؟ وليس في ذلك كله ما يصلح أن يكون حاسما للجدل. كما يذكر بعضهم في هذا المقام اسم الخضر الأصلي، واسم الغلام، واسم الملك الظالم، ولم نتعبّد بمعرفة ذلك، ومما يذكرونه في هذا المقام أن الملك الغاصب كان هدد بن بدد. ويقولون إنه مذكور في التوراة في ذرية العيص بن إسحاق. وقد تتبعت التوراة الحالية المحرّفة فوجدتها تذكر في سفر التكوين في الإصحاح السادس والثلاثين هذا الاسم تقول عنه:(ومات حوشام فملك مكانه هداد بن بداد، الذي كسر مديان في بلاد موآب وكان اسم مدينته عويت). وهذا الكلام وارد في سياق الكلام عن أبناء عيسو. فإذا صح أن ذلك الملك هو هذا، يكون البحر الذي سار فيه موسى والخضر في السفينة هو البحر الأحمر، وأن مجمع البحرين هو مكان التقاء خليج العقبة في البحر الأحمر، لأن هداد بن بداد سيطر على مدين، كما يذكر النص التوراتي، واستيلاؤه عليها