على الأعمال وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ أي وإن القيامة لآتية، وسميت القيامة ساعة لتوقعها كل ساعة. وذكر مجئ الساعة في هذا المقام فيه إشارة إلى أن الله ينتقم لك فيها من أعدائك أيها الرسول، ويجازيك على حسناتك، ويجازيهم على سيئاتهم، فإنه ما خلق السموات والأرض وما بينهما إلا لذلك، ومن ثم فسوف يعلم هؤلاء الكافرون ومن ثم ذرهم، ومن ثم فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ أي فأعرض عنهم إعراضا جميلا بحلم وإغضاء
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ الخلاق الذي خلق كل شئ، العليم بحالك وحالهم فلا يخفى عليه ما يجري بينكم، وهو يحكم بينكم، وفي هذا تقرير للمعاد، وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة؛ فإنه الخلاق الذي لا يعجزه خلق شئ، العليم بما تمزّق من الأجساد وتفرّق في سائر الأقطار، وفي هذا تثبيت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يطمئن فيذر ويصفح.
في أول السورة قال لرسوله صلّى الله عليه وسلّم: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وهاهنا قال له فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ.
وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً أي سبع آيات وهي الفاتحة مِنَ الْمَثانِي هي من التثنية وهي التكرير لأن الفاتحة مما يتكرر في الصلاة، أو من الثناء لاشتمالها على ما هو ثناء على الله وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ أي ما وراء الفاتحة لأن اسم القرآن يقع على البعض كما يقع على الكل، ويحتمل أن يكون ذكر الفاتحة تشريفا. ثم ذكر القرآن كله بما في ذلك الفاتحة، وبناء على هذه النعمة العظيمة
لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ أي لا تطمح ببصرك طموح راغب فيه متمنّ له إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً أي أصنافا مِنْهُمْ أي من كفارهم الأغنياء، أي لا تتمنّ أموالهم وما متعوا به من النساء وغير ذلك، يعني قد أوتيت النعمة العظمى التي كل نعمة- وإن عظمت- فهي إليها حقيرة وهي القرآن العظيم، فعليك أن تستغني به، ولا تمدنّ عينيك إلى متاع الدنيا وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ أي إن لم يؤمنوا حرصا منك على أن يتقوّى بمكانهم الإسلام والمسلمون وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ أي وتواضع لمن معك من المؤمنين فقراء وأغنياء
وَقُلْ للناس جميعا إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ أي بيّن النذارة أنذركم ببيان وبرهان أن عذاب الله نازل بمن كذّب وتولى، وهكذا تتحدد المواقف من الكافرين: ذَرْهُمْ فَاصْفَحِ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ كما تتحدّد من المؤمنين نَبِّئْ عِبادِي .... وَاخْفِضْ جَناحَكَ ... ولنعد إلى السياق: