وهنا كذلك سار على نفس النسق، وعلى ذات الخطوات .. ذكر ما هم عليه من فاحشة العري ومن الشرك في مزاولة الحاكمية في التحريم والتحليل في اللباس والطعام.
وحذرهم ما هم عليه من الفاحشة والشرك، وذكرهم مأساة العري التي واجهها أبواهما في الجنة بفعل الشيطان وكيده؛ ونعمة الله عليهم في إنزال اللباس والرياش .. ثم استنكر دعواهم أن ما يزاولونه من التحريم والتحليل هو من شرع الله وأوامره: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ. قُلْ: هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا. خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ مشيرا هنا إلى العلم اليقيني لا الظن والخرص الذي يبنون عليه دينهم وشعائرهم وعباداتهم وشرائعهم .. حتى إذا أبطل دعواهم فيما يزاولون عاد ليقرر لهم ما حرمه ربهم عليهم فعلا: قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ- ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ- وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً، وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ .. كما أنه قد بين لهم من قبل حقيقة ما أمر الله به في شأن اللباس والطعام- لا ما يدعونه هم وينسبونه إلى الله: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ وفي كلتا المواجهتين علق القضية كلها بقضية الإيمان والشرك. لأنها في صميمها هي قضية الحاكمية، ومن الذي يزاولها في حياة البشر.
وقضية عبودية الناس ولمن تكون!
ذات القضية وذات المنهج في مواجهتها. وذات الخطوات. وصدق الله العظيم:
وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً وهذه الوحدة في المنهج تبدو أهميتها ويزداد بروزها حين نذكر طبيعة سورة الأنعام وطبيعة سورة الأعراف والمجالين المختلفين اللذين تعالجان فيهما قضية العقيدة .. فإن اختلاف المجال لم يمنع وحدة المنهج في مواجهة الجاهلية في القضايا الأساسية .. وسبحان منزل هذا القرآن ..
[كلمة فى السياق]
مرت معنا في المجموعة ثلاثة نداءات موجهة لبني آدم واستقر النداء الأخير على قوله تعالى وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فالأمم كلها ستنتهي وترجع إلى الله. ومن ثم يأتي النداء الرابع لبني آدم وهو يواجههم بحجة الله عليهم أنه أرسل لهم رسلا فلم تبق لهم حجة ألا يستقيموا وألا يتقوا، والصلة بين النداء الرابع وبين ما سبقه في المجموعة، وبين ما سبقه في السورة كلها واضحة وسنتحدث عنها فيما بعد: