جاء قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ... بين آيتين مبدوأتين بقوله تعالى: وَاللَّهُ ... آية دلّلت على مجئ اليوم الآخر، وآية ذكّرت بابتداء خلق الإنسان من تراب، وبأن الأعمار بيد الله، وفي التذكير باليوم الآخر، وفي التذكير بابتداء خلق الإنسان من تراب، وفي التذكير بكون الأعمار بيد الله، تذكير للإنسان ألّا يطلب العزة إلا بالله ومن الله. إن حكمة مجئ الآية التي تتحدث عن العزة بين هاتين الآيتين العظيمتين هي أن تقطع من النفس البشرية عوامل طلب العزة من غير طريق الإيمان، وكل ذلك قد جاء في سياق النهي عن الاغترار بالدنيا والشيطان.
ثمّ إن الكلام عن الله عزّ وجل، وعن مظاهر قدرته في أمر الدنيا والآخرة فيه تأكيد لقدرته جل شأنه على إعطاء العزة لمن يشاء، ولا زال السياق ينصب على الكلام عن الله عزّ وجل فلنتابع:
وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ أي شديد العذوبة سائِغٌ شَرابُهُ أي مريء سهل الانحدار؛ لعذوبته، وبه ينتفع شرّابه وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ أي شديد الملوحة لدرجة المرارة وَمِنْ كُلٍّ أي من العذب والمالح تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وهو السمك وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وهي اللؤلؤ والمرجان وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ في كل من البحرين مَواخِرَ أي شواقّ للماء يجريها لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أي لتبتغوا من فضل الله وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ قال ابن كثير:(أي تشكرون ربكم على تسخيره لكم هذا الخلق العظيم وهو البحر، تتصرفون فيه كيف شئتم، وتذهبون أين أردتم، ولا يمتنع عليكم شئ منه، بل بقدرته قد سخر لكم ما في السموات وما في الأرض. الجميع من فضله ورحمته).
[كلمة في السياق]
١ - رأينا أن السورة بدأت بقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...
ثم جاء المقطع الأول مبدوءا بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ.