للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ بخلع الأنداد وإنصاف العباد وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ كعبادة الأصنام وقطيعة الأرحام وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ مما طاب في الشريعة مما ذكر اسم الله عليه من الذبائح، وما خلا كسبه من السحت وما حرم على بني إسرائيل من الأشياء الطيبة كالشحوم وغيرها.

وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ أي: ما يستخبث كالدم والميتة ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، أو ما خبث في الحكم كالربا والرشوة ونحوهما من المكاسب الخبيثة وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ الإصر الثقل الذي يأصر صاحبه أي يحبسه عن الحراك لثقله والمراد التكاليف الصعبة كقتل النفس في توبتهم، والتعامل مع الحائض وطقوس البرص والحكم على صاحبه. وأشياء أخرى كثيرة موجودة في أسفار موسى وغيره وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ أي بمحمد صلى الله عليه وسلم وَعَزَّرُوهُ أي وعظموه أو منعوه من العدو حتى لا يقوى عليه عدو، وأصل العزر المنع ومنه التعزير لأنه منع عن معاودة القبيح كالحد فهو المنع وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أي القرآن فاجتمع لهم اتباع القرآن المنزل مع اتباع النبي المرسل، والعمل بسنته أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي الفائزون بكل خير والناجون من كل شر.

قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ جميعا من عرب وعجم وأبيض وأسود وأصفر إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً بلا استثناء الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ هذا هو شأن الإله الحق فمن ملك العالم كان هو الإله على الحقيقة ومن كان يقدر على الإحياء والإماتة كان هو الإله على الحقيقة، وهذا الإله هو الذي أرسل محمدا صلى الله

عليه وسلم إلى الناس جميعا ومن ثم أمر الله الناس جميعا. بقوله: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وذلك من أعظم أدلة رسالته أن يكون من لا يقرأ ولا يكتب صاحب هذه الرسالة الجديدة وما فيها من الهدى والإعجاز الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ أي النبي الذي يصدق بالله وبكتبه المنزلة وفي هذا الالتفات من الحاضر إلى الغائب كثير من دقائق البلاغة لا يعرفها إلا العالمون، فمثلا لم يقل فآمنوا بالله وبي مع أن ما قبله إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ لتجري عليه الصفات التي أجريت عليه ولما في الالتفات من مزية البلاغة، وليعلم أن الذي وجب الإيمان به هو هذا الشخص الموصوف بأنه النبي الأمي، الذي يؤمن بالله وكلماته كائنا من كان أنا أو غيري؛ إظهارا للنصفة وتفاديا من العصبية لنفسه وَاتَّبِعُوهُ أي: اسلكوا طريقه واقتفوا أثره أي: اجمعوا ما بين الإيمان به والاتباع له لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أي إلى الصراط المستقيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>