أولها ما ذكرناه أولا (أقول: والذي ذكره هو ما نقلناه ومضمونه: أنه فسر (ما) في القول الأول بمعنى (من) وفسر (ما) في القول الثاني بأنها المصدرية، فيكون هذا القول على الشكل التالي: لا أعبد ما تعبدون من الآلهة، ولا أنتم عابدون من أعبد وهو الله، ولا أنا عابد عبادتكم، ولا أنتم عابدون عبادتي، فلا إلهكم إلهي، ولا عبادتكم عبادتي، ولا إلهي معبودكم، ولا عبادتي عبادتكم،
ومن ثم ختمت السورة بقوله تعالى:
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ التي سنرى معناها فيما بعد، ولنعد إلى نقل كلام ابن كثير). قال ابن كثير:(الثاني) ما حكاه البخاري وغيره من المفسرين أن المراد لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ* وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ في الماضي وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ* وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ في المستقبل. (الثالث) أن ذلك تأكيد محض. (وثم قول رابع) نصره أبو العباس بن تيمية في بعض كتبه وهو أن المراد بقوله لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ نفي الفعل لأنها جملة فعلية وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ نفي قبوله لذلك بالكلية، لأن النفي بالجملة الاسمية آكد، فكأنه نفى الفعل، وكونه قابلا لذلك، ومعناه نفي الوقوع، ونفي الإمكان الشرعي أيضا. وهو قول حسن أيضا.
والله أعلم).
أقول: والذي أميل إليه هو القول الذي اختاره النسفي، وهو قول البخاري كما رأينا، إلا أن هذا يحتاج إلى تعليل لقضية هي أن بعض الكافرين يسلمون، فكيف نفسر الآية وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ بأن المراد بها الاستقبال، أقول: الجواب إن هذا الخطاب موجه لكفار مصرين على الكفر مستمرين عليه، علم الله أنهم سيموتون على ذلك. أو أن الخطاب يفيد: أي أنكم ما دمتم على كفركم. فلن تكونوا في يوم من الأيام عابدين لإلهي، ولن أكون عابدا لمعبودكم، ثم قال تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ قال النسفي: أي لكم شرككم ولي توحيدي. وقال البخاري في تفسيرها: لَكُمْ دِينُكُمْ الكفر وَلِيَ دِينِ الإسلام.
[كلمة في السياق]
ذكرت هذه السورة موضوع المفاصلة بين المسلمين وغيرهم في العبادة والدين، فحددت بذلك أن العبادة التي أمر الله- عزّ وجل- بها في الإسلام في محور السورة تختلف عن أي عبادة أخرى، وأن الإسلام غير الأديان الأخرى؛ إذ كلها منسوخة بهذا