للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن كثير: استدلوا به على أن الشخص قد تتقلب به الأحوال فيكون في حال أقرب إلى الكفر، وفي حال أقرب إلى الإيمان. يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ أي: يظهرون خلاف ما يضمرون، والله يعلم أسرارهم.

وهذه طبيعة المنافق يتظاهر بشيء ويبطن شيئا، يقول القول ولا يعتقد صحته، ومن ذلك كلامهم السابق؛ فإنهم يعرفون أن جندا من المشركين قد جاءوا من بلاد بعيدة يتحرقون على المسلمين؛ بسبب ما أصاب أشرافهم يوم بدر، وهم أضعاف المسلمين، فالقتال كائن لا محالة، ومع ذلك ادعوا أنه لا قتال،

ثم وصفهم الله بأنهم الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ أي: لأجل إخوانهم، أي: عن إخوانهم- في الصورة- ممن قتل يوم أحد وَقَعَدُوا أي: قالوا وقد قعدوا عن القتال لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا أي: لو أطاعنا إخواننا فيما أمرناهم به من الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والقعود، ووافقونا فيه لما قتلوا كما لم نقتل. ويبدو- والله أعلم- أنهم يريدون بإخوانهم هنا من قتل من الأنصار. قال تعالى: ردا عليهم قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي إن كان القعود يسلم به الشخص من القتل والموت،

فينبغي أنكم لا تموتون، والموت لا بد آت، فادفعوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين. أو المعنى:

إن كنتم صادقين بأن الحذر ينفع من القدر، ويدفع الموت، فادفعوه عن أنفسكم، ولن تستطيعوا. أو المعنى: قل إن كنتم صادقين في أنكم وجدتم إلى دفع الموت سبيلا وهو القعود عن القتال، فجدوا إلى دفع الموت سبيلا. والملاحظ أن كلامهم هذا يشبه كلام الكافرين الذي نهى الله عنه في أول المقطع بقوله: لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا وهذا يشعر أن المنافقين كافرون. وفيه تعرية للمنافقين، وتدليل عليهم من كلامهم.

ومن ثم ندرك كيف أن سورة آل عمران تفصيل لمقدمة سورة البقرة.

لقد تحدثت مقدمة سورة البقرة عن المتقين المؤمنين، وعن الكافرين، وعن المنافقين، وهذا المقطع زادنا بيانا في أخلاق الكافرين، وصفاتهم، وأقوالهم، وأفعالهم، وزادنا بيانا في أخلاق المنافقين، وكلامهم، ومواقفهم، وصفى تصورات أهل الإيمان، وعرفهم على مزيد من نعمه عليهم؛ بما من عليهم من رسوله عليه الصلاة والسلام وعرفهم على كثير مما ينبغي أن يفعلوه ويتأدبوا به.

وصلة المقطع بما قبله مباشرة واضحة، فالكلام فيه استمرار للكلام عن دروس

<<  <  ج: ص:  >  >>