ما الصلة بين الأسئلة الثلاثة، والآيات التي قبلها مباشرة؟. إن المجموعة التي سبقت هذه الأسئلة كان موضوعها الرئيسي هو القتال. وآخر آية منها تحدثت عن الهجرة والجهاد.
ادرس ظواهر الهجرة في العالم، تجد أنها تنتشر بسببها عادتا شرب الخمر، والميسر، ثم هي تحتاج إلى أعلى درجات الإنفاق. وتجد كثرة اليتامى أثناءها. وادرس
حياة الجند، وقضايا القتال تجد أن القتال يحتاج إلى أعلى درجات الإنفاق. وأن اليتامى يكثرون بسبب القتال، وأن أكثر جنود العالم يسكرون ويقامرون فإن تأتي هذه الأسئلة، ويجاب عليها في هذا السياق، فلذلك أسبابه الكثيرة. وكنا ذكرنا من قبل، أن الموضوع الرئيسي للقسم الثالث كله في مقطعيه هو الدخول في الإسلام كله. ومن ثم نعرف سر ذكر الأسئلة في هذا السياق، والإجابة عليها. فإذا جاءت فريضة القتال في هذا السياق، أو جاء التمهيد لتحريم الخمر. أو جاءت الإباحة لمخالطة اليتامى. فكل ذلك جامعه أنه من الإسلام الذي يأمر السياق بالدخول فيه كله.
[فصول شتى]
[فصل في أن الإسلام هو السلام]
يلاحظ أن قوله جل جلاله: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً قد فسر في أنه أمر بالدخول في الإسلام. وسنرى أنه في أكثر من مكان في القرآن يعبر عن الإسلام؛ بالسلام. كقوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً (سورة النساء) أي: لا تقولوا لمن قال لكم لا إله إلا الله، لست مؤمنا. وفي ذلك دليل على أنه لا سلام إلا بهذا الإسلام. صحيح أن الإسلام فرض القتال على المسلمين، وأن الجهاد في الإسلام هو بذل الجهد في القتال من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا.
ولكن ذلك كله من أجل أن يعم السلام العالم. فعند ما تكون كلمة الله هي العليا في العالم كله. عندئذ يتحقق السلام على هذه الأرض في صوره كلها. السلام في محيط الأسرة، والسلام في نفس الفرد، والسلام بين المسلمين وغير المسلمين ممن يعيشون في ظل الدولة المسلمة، والسلام بين العامل ورب العمل، والسلام بين الحاكم والمحكوم، وذلك لا يكون إلا إذا كانت كلمة الله هي الحاكمة. وكلمة الله حق وعدل. فالله عزّ وجل كلف كل إنسان أن يدخل في الإسلام ليحقق السلام في ذاته، وكلف المسلمين أن يخضعوا العالم لكلمة الله ليتم السلام بانتصار الإسلام.