والحميد: هو الله المحمود بكل لسان، ويحتمل أن يكون المعنى: وهدوا في الآخرة إلى القول الطيب، حتى لا يقولوا إثما، ولا يقولوا إلا ذكرا وسلاما، وهدوا إلى المكان الذي يحمدون فيه ربهم على ما أحسن إليهم وأنعم به وأسداه إليهم.
[كلمة في السياق]
دلت هذه الآيات على ما أعد الله للخصوم فيه، فعرفنا بذلك أن نصرة الله في الآخرة لأوليائه ما بعدها نصرة، وأن خذلان الله لأوليائه ما بعده خذلان، فلنتذكر كيف سارت المجموعة: أنكرت على من ييأس من النصر، ثم بينت أن النصر الحقيقي يوم القيامة، ثم بينت أن كل شئ خاضع لله، ثم بينت عاقبة المتخاصمين فيه في الآخرة، وهكذا عرفتنا أن النصر الحقيقي هو النصر في الآخرة، وسنرى أنه بعد المجموعة اللاحقة ستأتي بشارة الله بالنصر لمن يستحق النصر فالسياق الخاص للسورة يتسلسل- كما نرى- بشكله العجيب الفريد. والصلة بين هذه المجموعة كلها، وبين محور السورة من البقرة واضح، فقد استقرت المجموعة على ذكر عاقبة المتقين، وعاقبة الكافرين بما لا يبقى معه ذو عقل إلا ويختار طريق التقوى، كيف والكلام كلام الله، والوعد والوعيد وعده ووعيده، وقد رأينا أن من امتدادت آية المحور في سورة البقرة قوله تعالى:
١ - بمناسبة قوله تعالى أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ .. يروي ابن كثير حديث الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدري أين تذهب هذه الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب فتسجد تحت العرش، ثم تستأمر فيوشك أن يقال لها ارجعي من حيث جئت» وانظر ما كتبناه عن هذا الموضوع في أواخر سورة الأنعام، وقد ساقه ابن كثير للتدليل على سجود الأشياء لله، وبمناسبة كون هذه الآية آية سجدة قال ابن كثير: وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكي، يقول يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار».