أَمْ حَسِبَ أي: بل أحسب الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أي: اكتسبوا المعاصي والكفر أَنْ نَجْعَلَهُمْ أي: أن نصيّرهم كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ أي: نساويهم بهم في الدنيا والآخرة ساءَ ما يَحْكُمُونَ قال ابن كثير. أي: ساء ما ظنوا بنا، وبعد لنا أن نساوي بين الأبرار والفجار، في الدار الآخرة، وفي هذه الدار، وقال النسفي:(أي: بئس ما يقضون إذا حسبوا أنهم كالمؤمنين، فليس من أقعد على بساط الموافقة، كمن أقعد على مقام المخالفة، بل نفرّق بينهم، فنعلي المؤمنين ونخزي الكافرين) ففي الآية إنكار أن يستوي المسيئون والمحسنون محيا وأن يستووا مماتا، لافتراق أحوالهم أحياء، حيث عاش هؤلاء على القيام بالطاعات، وأولئك على اقتراف السيئات، ومماتا حيث مات هؤلاء على البشرى بالرحمة والكرامة، وأولئك على اليأس من الرحمة والندامة، وحيث عاش هؤلاء على برد اليقين، وعاش هؤلاء على قلق المعذبين الشاكّين الحائرين، وحيث عاش هؤلاء على الرعاية والرضا، وعاش هؤلاء بالإمهال والاغترار والأخذ واليأس
وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ أي: بالعدل، هذا تعليل لعدم استواء الفجّار والأبرار وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ومن ثم لا يستوي الأبرار والفجار.
وبعد أن بيّن الله عزّ وجل عدم استواء الطرفين، أهل الهدى وأهل الضلال يحدثنا عن الذين يتبعون أهواءهم والذين نهى الله عن اتباعهم في آخر المقطع السابق بقوله:
ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ فههنا يبيّن لنا أن من كان شأنه اتباع الهوى لا يهتدي:
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ قال ابن كثير: أي: إنما يأتمر بهواه، فمهما رآه حسنا فعله، ومهما رآه قبيحا تركه، وقال النسفي: أي: هو مطاوع لهوى النفس، يتّبع ما تدعوه إليه، فكأنه يعبده كما يعبد الرجل إلهه وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ أي: أضله الله لعلمه أنه يستحق ذلك، أو أضله الله بعد بلوغ العلم إليه، وقيام الحجة عليه وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ. فلا يقبل وعظا وَقَلْبِهِ فلا يعتقد حقا وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فلا يبصر عبرة، فهو لا يسمع ما ينفعه في أمر دينه ودنياه وآخرته، ولا يعي شيئا يهتدي به، ولا يرى حجة يستضئ